سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب كالبيان لما قبل ، وعبر بنون العظمة على طريق الالتفات جريا على سنن الكبرياء لتربية المهابة ، والسين لتأكيد الإلقاء ، و (الرعب) بسكون العين : الخوف والفزع ، أي سنقذف ذلك في قلوبهم ، والمراد من الموصول أبو سفيان وأصحابه ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال :
لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق ثم إنهم ندموا فقالوا : بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد [ ص: 88 ] تركتموهم ارجعوا فاستأصلوا ، فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا فقالوا له : إن لقيت محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه فأخبرهم بما قد جمعنا لهم ، فأخبر الله تعالى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فأنزل الله تعالى في ذلك هذه الآية يذكر فيها أمر nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان وأصحابه ، وقيل : إن الآية نزلت في يوم الأحزاب ، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=657822نصرت بالرعب على العدو " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=701965نصرت بالرعب مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي " .
وقرئ ( سيلقي ) بالياء ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي (الرعب) بضم العين وهي لغة فيه ، وقيل : الضم هو الأصل والسكون للتخفيف ، وقيل : الأصل السكون والضم للإتباع .
بما أشركوا بالله أي بسبب إشراكهم بالذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال ولإشعار هذا الاسم بالعظمة المنافية للشركة أتى به ، والجار الأول متعلق بـ (سنلقي) دون (الرعب) ولا يمنع من ذلك تعلق (في) به لاختلاف المعنى ، والثاني متعلق بما عنده ، وكان الإشراك سببا لإلقاء الرعب لأنه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين عليهم وكلاهما من دواعي الرعب
ما لم ينزل به أي بإشراكه ، وقيل : بعبادته ، و (ما) نكرة موصوفة أو موصولة اسمية وليست مصدرية
سلطانا أي حجة ، والإتيان بها للإشارة بأن المتبع في باب التوحيد هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة ، وسميت بذلك لأنه بها يتقوى على الخصم ، ويتسلط عليه ، والنون زائدة ، وقيل : أصلية ، وذكر عدم إنزال الحجة مع استحالة تحققها من باب انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم ، أي لا حجة حتى ينزلها ، فهو على حد قوله في وصف مفازة :
لا يفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب بها ينجحر
إذ المراد لا ضب بها حتى ينجحر ، فالمراد نفيهما جميعا وهذا كقولهم : السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ، وما ذكرنا من استحالة تحقق الحجة على الإشراك يكاد يكون معلوما من الدين بالضرورة ، أما في الإشراك بالربوبية فظاهر ، إذ كيف يأمر الله سبحانه باعتقاد أن خالق العالم اثنان مشتركان في وجوب الوجود والاتصاف بكل كمال ، وأما الإشراك في الألوهية الذي عليه أكثر المشركين في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلأنه يفضي إلى الأمر باعتقاد أشياء خلاف الواقع مما كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم ، وقد رده عليهم ، فقول
عصام الملة : ونحن نقول : الحجة على الإشراك تحت قدرته تعالى لو شاء أنزلها إذ لو أمر بإشراك الأصنام به في العبادة لوجبت العبادة لا أراه إلا حلا لعصام الدين لا إله إلا الله المخاطب بها الثنوية والوثنية تأبى إمكان ذلك كما لا يخفى على من اطلع على معنى هذه الكلمة الطيبة ، رزقنا الله تعالى الموت عليها ، ولا جعلنا ممن أشركوا بالله تعالى ما لم ينزل به سلطانا .
ومأواهم أي ما يأوون إليه في الآخرة
النار لا مأوى لهم غيرها .
وبئس مثوى الظالمين (151) أي مثواهم ، وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل والإشعار بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه ، والمثوى مكان الإقامة على وزن مفعل من ثويت ، ولامه ياء ، والمخصوص بالذم محذوف أي بئس مثواهم النار ، ولم يعبر بالمأوى للإيذان بالخلود إذ الإقامة مأخوذة في المثوى دونه .