وقوله تعالى :
لا يمسه إلا المطهرون إما صفة بعد صفة لكتاب مرادا به اللوح ، فالمراد بالمطهرون الملائكة عليهم السلام أي المطهرون المنزهون عن كدر الطبيعة ودنس الحظوظ النفسية ، وقيل : عن كدر الأجسام ودنس الهيولى والطهارة عليهما طهارة معنوية ، ونفي مسه كناية عن لازمه وهو نفي الاطلاع عليه وعلى ما فيه ، وإما صفة أخرى لقرآن .
والمراد بالمطهرون المطهرون عن الحدث الأصغر والحدث الأكبر بحمل الطهارة على الشرعية ، والمعنى لا ينبغي أن يمس القرآن إلا من هو على طهارة من الناس فالنفي هنا نظير ما في قوله تعالى :
الزاني لا ينكح إلا زانية [النور : 3] وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652262«المسلم أخو المسلم لا يظلمه » الحديث وهو بمعنى النهي بل أبلغ من النهي الصريح ، وهذا أحد أوجه ذكروها للعدول عن جعل - لا - ناهية ، وثانيها أن المتبادر كون الجملة صفة والأصل فيها أن تكون خبرية ولا داعي لاعتبار الإنشائية وارتكاب التأويل ، وثالثها أن المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس ، ورابعها أن
عبد الله قرأ ما يمسه وهي تؤيد أن لا نافية وكون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام مروي من عدة طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وكذا أخرجه جماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية وغيرهم إلا أن في بعض الآثار عن بعض هؤلاء ما هو ظاهر في أن الضمير في
لا يمسه مع كون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام راجع إلى القرآن .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنه قال : في الآية ذاك عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون من الملائكة فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس ، والمنافق الرجس ، وأخرجاهما
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في المعرفة عن الحبر قال : في الآية الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة ، ويشير إليه ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
النعيمي قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية
لا يمسه إلا المطهرون أنها بمنزلة الآية التي في عبس
كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة [عبس : 11 - 16] وكون المراد بهم المطهرين من الأحداث مروي عن
محمد الباقر على آبائه وعليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وسالم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة في المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه عن
عبد الرحمن بن زيد قال : كنا مع
سلمان - يعني الفارسي - رضي الله تعالى عنه فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا فخرج إلينا فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن ؟ فقال : سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا
لا يمسه إلا المطهرون ، وقيل : الجملة صفة لقرآن ، والمراد - بالمطهرون - المطهرون من الكفر ، والمس مجاز عن الطلب كاللمس في قوله تعالى :
وأنا لمسنا السماء [الجن : 8] أي لا يطلبه إلا المطهرون من الكفر ، ولم أر هذا مرويا عن أحد من السلف ، والنفي عليه على ظاهره ، ورجح جمع جعل الجملة وصفا للقرآن لأن الكلام مسوق لحرمته وتعظيمه لا لشأن الكتاب المكنون ، وإن كان في تعظيمه تعظيمه . وصحح الإمام جعلها وصفا للكتاب - وفيه نظر - وعلى الوصفية للقرآن ذهب من ذهب إلى اختيار تفسير المطهرين بالمطهرين عن الحدث الأكبر والأصغر .
وفي الأحكام
للجلال السيوطي استدل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالآية على
منع المحدث من مس المصحف وهو ظاهر في
[ ص: 155 ] اختيار ذلك ، والاحتمال جعل الجملة صفة للكتاب المكنون أو للقرآن ، وكون المراد بالمطهرين الملائكة المقربين عليهم السلام على ما سمعت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة عدل الأكثرون عن الاستدلال بها على ذلك إلى الاستدلال بالإخبار ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك وعبد الرزاق وابن أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن
عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=909805في كتاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعمرو بن حزم «ولا تمس القرآن إلا على طهور ».
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=707627«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمس القرآن إلا طاهر » إلى غير ذلك ، وقال بعضهم : يجوز أن يؤخذ منع مس غير الطاهر القرآن من الآية على الاحتمالين الآخرين أيضا ، وذلك لأنها أفادت تعظيم شأن القرآن وكونه كريما ، والمس بغير طهر مخل بتعظيمه فتأباه الآية وهو كما ترى ، وأطال
الإمام الكلام في هذا المقام بما لا يخفى حاله على من راجعه ، نعم لا شك في دلالة الآية على عظم شأن القرآن ومقتضى ذلك الاعتناء بشأنه ولا ينحصر الاعتناء بمنع غير الطاهر عن مسه بل يكون بأشياء كثيرة كالإكثار من تلاوته والوضوء لها وأن لا يقرأه الشخص وهو متنجس الفم فإنه مكروه .
وقيل : حرام كالمس باليد المتنجسة ،
وكون القراءة في مكان نظيف ، والقارئ مستقبل القبلة متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه ،
والاستياك لقراءته ، والترتيل ، والتدبر ، والبكاء ، أو التباكي ،
وتحسين الصوت بالقراءة وأن لا يتخذه معيشة ، وأن
يحافظ على أن لا ينسى آية أوتيها منه ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وغيره
nindex.php?page=hadith&LINKID=891075«عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ، وأن
لا يجامع بحضرته فإن أراد ستره ، وأن
لا يضع غيره من الكتب السماوية وغيرها فوقه ، وأن
لا يقلب أوراقه بأصبع عليها بزاق ينفصل منه شيء فقد قيل بكفر من يفعل ذلك إلى أمور أخر مذكورة في محالها ، وفي وجوب كون القارئ طاهرا من الأحداث خلاف ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية أنه يجوز للجنب قراءة القرآن ، وروي ذلك أيضا عن
الإمام أبي حنيفة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أحب إلي أن لا يقرأ إلا طاهر وكأنهم اعتبروه كسائر الأذكار والفرق مثل الشمس ظاهر .
وقرأ
عيسى «المطهرون » اسم مفعول مخففا من أطهر ، ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع وأبي عمرو ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه « المطهرون » بتخفيف الطاء وتشديد الهاء وكسرها اسم فاعل من طهر أي ( المطهرون ) أنفسهم ، أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام ، وعنه أيضا « المطهرون » بتشديدهما وأصله المتطهرون فأدغم التاء بعد إبدالها في الطاء ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وعبد الله بن عون ، وقرئ المتطهرون على الأصل.