وقوله تعالى :
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في سبيله مؤكد للأمر السابق به وللتوبيخ على تركه فالاستفهام ليس على حقيقته بل للحث ، والقرض الحسن الإنفاق بالإخلاص وتحري أكرم المال وأفضل الجهات ، وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات . أن يكون من الحلال فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا . وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء . وأن يكون والمرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر وأن يضعه في الأحوج الأولى . وأن يكتم ذلك، وأن لا يتبعه بالمن
[ ص: 174 ] والأذى ، وأن يقصد به وجه الله تعالى وأن يستحقر ما يعطي وإن كثر ، وأن يكون من أحب أمواله إليه . وأن يتوخى في إيصاله للفقير ما هو أسر لديه من الوجوه كحمله إلى بيته . ولا يخفى أنه يمكن الزيادة والنقص فيما ذكر .
وأيما كان فالكلام إما على التجوز في الفعل فيكون استعارة تبعية تصريحية أو التجوز في مجموع الجملة فيكون استعارة تمثيلية وهو الأبلغ أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله تعالى مخلصا متحريا أكرمه وأفضل الجهات رجاء أن يعوضه سبحانه بدله كمن يقرضه
فيضاعفه له فيعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا أضعافا كثيرة من فضله .
وله أجر كريم أي وذلك الأجر المضموم إليه الإضعاف كريم مرضي في نفسه حقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون ، ففيه إشارة إلى أن الأجر كما أنه زائد في الكم بالغ في الكيف فالجملة حالية لا عطف على ( فيضاعفه) ، وجوز العطف والمغايرة ثابتة بين الضعف والأجر نفسه فإن الإضعاف من محض الفضل والمثل فضل هو أجر ، ونصب يضاعفه على جواب الاستفهام بحسب المعنى كأنه قيل : أيقرض الله تعالى أحد فيضاعفه له فإن المسؤول عنه بحسب اللفظ وإن كان هو الفاعل لكنه في المعنى هو الفعل إذ ليس المراد أن الفعل قد وقع السؤال عن تعيين فاعله كقولك : من جاءك اليوم ؟ إذا علمت أنه جاءه جاء لم تعرفه بعينه وإنما أورد على هذا الأسلوب للمبالغة في الطلب حتى كأن الفعل لكثرة دواعيه قد وقع وإنما يسأل عن فاعله ليجازى ولم يعتبر الظاهر لأنه يشترط بلا خلاف في النصب بعد الفاء أن لا يتضمن ما قبل وقوع الفعل نحو لم ضربت زيدا فيجازيك فإنه حينئذ لا يتضمن سبق مصدر مستقبل وعلى هذا يؤول كل ما فيه نصب وما قبل متضمن للوقوع ، وقرأ غير واحد «فيضاعفه » بالرفع على القياس نظرا للظاهر المتضمن للوقوع وهو إما عطف على يقرض أو على فهو (يضاعفه ) وقرئ فيضعفه بالرفع والنصب