[ ص: 176 ] يوم يقول المنافقون والمنافقات بدل من
يوم ترى ، وجوز أن يكون معمولا لاذكر .
وقال ابن عطية : يظهر لي أن العامل فيه ذلك هو الفوز العظيم ، ويكون معنى الفوز عليه أعظم كأنه قيل : إن المؤمنين يفوزون يوم يعتري المنافقين والمنافقات كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه مضاده أبدع وأفخم .
وتعقبه في البحر بأن ظاهر تقريره أن يوم منصوب بالفوز وهو لا يجوز لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته فلا يجوز إعماله ولو أعمل وصفه وهو العظيم لجاز - أي الفوز الذي عظم - أي قدره يوم انتهى ، وفي عدم جواز إعمال مثل هذا المصدر في مثل هذا المعمول خلاف ، ثم إن تعلق هذا الظرف بشيء من تلك الجملة خلاف الظاهر
للذين آمنوا انظرونا أي انتظرونا
نقتبس من نوركم نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به .
وقيل : فيأخذوا شيئا منه يكون معهم تخيلوا تأتي ذلك فقالوه ، وأصل الاقتباس طلب القبس أي الجذوة من النار ، وجوز أن يكون المعنى انظروا إلينا نقتبس إلخ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به فانظرونا على الحذف والإيصال لأن النظر بمعنى مجرد الرؤية يتعدى بإلى فإن أريد التأمل تعدى بفي لكن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر وقولهم : للمؤمنين ذلك لأنهم في ظلمة لا يدرون كيف يمشون فيها ، وروي أنه يكون ذلك على الصراط .
وفي الآثار دلالة على أنهم يكون لهم نور فيطفأ فيقولون ذلك ، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=944924«إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على عباده وأما عند الصراط قال الله يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط أطفأ الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون : انظرونا نقتبس من نوركم ، وقال المؤمنون : أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا ».
وفي حديث آخر مرفوع عنه أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=695428إن نور المنافق يطفأ قبل أن يأتي الصراط.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن
أبي فاختة يجمع الله تعالى الخلائق يوم القيامة ويرسل الله سبحانه على الناس ظلمة فيستغيثون ربهم فيؤتي الله تعالى كل مؤمن منهم نورا ويؤتي المنافقين نورا فينطلقون جميعا متوجهين إلى الجنة معهم نورهم فبينما هم كذلك إذ أطفأ الله نور المنافقين فيترددون في الظلمة ويسبقهم المؤمنون بنورهم بين أيديهم فيقولون انظرونا نقتبس من نوركم الخبر ، والأخبار في إيتاء المنافق نورا ثم إطفائه كثيرة وليس في الآية ما يأباه .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة «أنظرونا » بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء من النظرة وهي الإمهال يقال: أنظر المديون أي أمهله ، وضع ( أنظرونا ) بمعنى المهلة وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق ومشيه الهوينا ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد سبق تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز وإظهار الافتقار ، وقيل : هو من أنظر أي أخر ، والمراد اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا بحيث تفوتونا ولا نلحق بكم . وقال
المهدوي : «أنظرونا » «وانظرونا » بمعنى وهما من الانتظار تقول العرب : أنظرته بكذا وانتظرته بمعنى واحد والمعنى أمهلونا
قيل القائلون على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المؤمنون ، وعلى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل الملائكة عليهم السلام .
ارجعوا وراءكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أي من حيث جئتم من الظلمة أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة
فالتمسوا نورا هناك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل : هذا من الاستهزاء بهم كما استهزؤوا بالمؤمنين
[ ص: 177 ] في الدنيا حين قالوا آمنا وليسوا بمؤمنين ، وذلك قوله تعالى :
الله يستهزئ بهم [البقرة : 15] أي حين يقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=481أبو أمامة : يرجعون حين يقال لهم ذلك إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور وهي خدعة الله تعالى التي خدع بها المنافقين حيث قال سبحانه :
يخادعون الله وهو خادعهم [النساء : 142]، وقيل : المراد ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورا أي بتحصيل سببه وهو الإيمان أو تنحوا عنا والتمسوا نورا غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه ، والغرض التهكم والاستهزاء أيضا .
وقيل : أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وهو خلاف الظاهر ، وأيا ما كان فالظاهر أن وراءكم معمول لارجعوا .
وقيل : لا محل له من الإعراب لأنه بمعنى ارجعوا فكأنه قيل : ارجعوا ارجعوا كقولهم وراءك أوسع لك أي ارجع تجد مكانا أوسع لك
فضرب بينهم أي بين الفريقين ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير «فضرب » مبنيا للفاعل أي فضرب هو أي الله عز وجل
بسور أي بحاجز ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : هو الأعراف ، وقال غير واحد : حاجز غيره والباء مزيدة
له باب باطنه أي الباب كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل أو السور وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة
فيه الرحمة الثواب والنعيم الذي لا يكتنه
وظاهره الجانب الذي يلي مكان المنافقين أعني النار
من قبله أي من جهته
العذاب وهذا السور قيل : يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
أبي سنان قال : كنت مع
علي بن عبد الله بن عباس عند
وادي جهنم يعني المكان المعروف عند
بيت المقدس فحدث عن أبيه أنه قال ، وقد تلا قوله تعالى :
فضرب بينهم بسور هذا موضع السور عند وادي جهنم ، وأخرج هو
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن
فضرب بينهم بسور هو سور
بيت المقدس الشرقي
باطنه فيه الرحمة المسجد
وظاهره من قبله العذاب يعني
وادي جهنم وما يليه .
وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أنه كان على سور
بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه رأى جهنم . ولا يخفى أن هذا ونظائره أمور مبنية على اختلاف العالمين وتغاير النشأتين على وجه لا تصل العقول إلى إدراك كيفيته والوقوف على تفاصيله ، فإن صح الخبر لم يسعنا إلا الإيمان لعدم خروج الأمر عن دائرة الإمكان ،
وأبو حيان حكى عمن سمعت وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار أنه الجدار الشرقي من مسجد
بيت المقدس واستبعده ثم قال : ولعله لا يصح عنهم