لكيلا تأسوا أي أخرناكم بذلك لئلا تحزنوا
على ما فاتكم من نعم الدنيا
ولا تفرحوا بما آتاكم أي أعطاكموه الله تعالى منها فإن من علم أن الكل مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتي ما قدر إتيانه لا محالة لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت ، وعلم كون الكل مقدرا مع أن المذكور سابقا المصائب دون النعم وغيرها لأنه لا قائل بالفرق وليس في النظم الكريم اكتفاء كما توهم ، نعم إن حملت المصيبة على الحوادث من خير وشر كان أمر العلم أوضح كما لا يخفى وترك التعادل بين الفعلين في الصلتين حيث لم يسندا إلى شيء واحد بل أسند الأول إلى ضمير الموصول والثاني إلى ضميره تعالى لأن الفوات والعدم ذاتي للأشياء فلو خليت ونفسها لم تبق بخلاف حصولها وبقائها فإنه لا بد من استنادهما إليه عز وجل كما حقق في موضعه . وعليه قول الشاعر :
فلا تتبع الماضي سؤالك لم مضى وعرج على الباقي وسائله لم بقي
ومثل هذه القراءة قراءة
عبد الله - أوتيتم - مبنيا للمفعول أي أعطيتم وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو - أتاكم - من الإتيان أي جاءكم وعليها بين الفعلين تعادل ، والمراد نفي الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين ونفي الفرح المطغي الملهي عن الشكر ، وأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله تعالى والاعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما .
أخرج جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال في الآية : ليس أحد إلا هو يحزن ويفرح ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبرا ومن أصابه خير جعله شكرا ، وقوله تعالى :
[ ص: 188 ] والله لا يحب كل مختال فخور تذييل يفيد أن الفرح المذموم هو الموجب للبطر والاختيال والمختال المتكبر عن تخيل فضيلة تراءت له من نفسه ، والفخور المباهي في الأشياء الخارجة عن المرء كالمال والجاه .
وذكر بعضهم أن الاختيال في الفعل والفخر فيه وفي غيره ، والمراد من لا يحب يبغض إذ لا واسطة بين الحب والبغض في حقه عز وجل وأولا بالإثابة والتعذيب ، ومذهب السلف ترك التأويل مع التنزيه ، ومن لا يحب كل مختال لا يحب كل فرد فرد من ذلك لا أنه لا يحب البعض دون البعض ويرد بذلك على الشيخ
عبد القاهر في قوله : إذا تأملنا وجدنا إدخال كل في حيز النفي لا يصلح إلا حيث يراد أن بعضا كان وبعضا لم يكن ، نعم إن هذا الحكم أكثري لا كلي .