هذا (ومن باب الإشارة)
وكأين وكم
من نبي مرتفع القدر جليل الشأن وهو في الأنفس الروح القدسية
قاتل معه عدو الله تعالى أعني النفس الأمارة
ربيون متخلقون بأخلاق الرب وهم القوى الروحانية
فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وطريق الوصول إليه من تعب المجاهدات
وما ضعفوا في طلب الحق
وما استكانوا وما خضعوا للسوى
والله يحب الصابرين على مقاساة الشدائد في جهاد النفس
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا استر لنا وجوداتنا بإفاضة أنوار الوجود الحقيقي علينا
وإسرافنا في أمرنا أي تجاوزنا حدود ظاهر الشريعة عند صدمات التجليات
وثبت أقدامنا في مواطن حروب أنفسنا
وانصرنا بتأييدك وإمدادك
على القوم الكافرين الساترين لربوبيتك .
فآتاهم الله بسبب دعائهم بألسنة الاستعدادات والانقطاع إليه تعالى
ثواب الدنيا وهو مرتبة توحيد الأفعال وتوحيد الصفات
وحسن ثواب الآخرة وهو مقام توحيد الذات
والله يحب المحسنين في الطلب الذين لا يلتفتون إلى الأغيار .
يا أيها الذين آمنوا الإيمان الحقيقي
إن تطيعوا الذين كفروا وهم النفوس الكافرة وصفاتها
يردوكم على أعقابكم إلى أسفل سافلين وهو سجين البهيمية
فتنقلبوا ترجعوا القهقرى
خاسرين أنفسكم .
بل الله مولاكم ناصركم
وهو خير الناصرين لمن عول عليه وقطع نظره عمن سواه .
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب أي الخوف
بما أشركوا أي بسبب إشراكهم
بالله ما لم ينزل به أي بوجوده
سلطانا أي حجة إذ لا حجة على وجوده حتى ينزلها لتحقق عدمه بحسب ذاته ، وجعل سبحانه إلقاء الرعب في قلوبهم مسببا عن شركهم
[ ص: 103 ] لأن الشجاعة وسائر الفضائل اعتدالات في قوى النفس عند تنورها بنور القلب المنور بنور التوحيد ، فلا تكون تامة حقيقية إلا للموحد الموقن ، وأما المشرك فمحجوب عن منبع القوة بما أشرك ما لا وجود ولا ذات في الحقيقة له فهو ضعيف عاذ بقرملة
ومأواهم النار وهي نار الحرمان
وبئس مثوى الظالمين الذين وضعوا الشيء في غير موضعه وعبدوا أسماء سموها ما أنزل الله تعالى بها من كتاب .
ولقد صدقكم الله وعده المشروط بالصبر والتقوى
إذ تحسونهم أي تقتلون جنود الصفات البشرية قتلا ذريعا
بإذنه وأمره لا على وفق الطبع
حتى إذا فشلتم جبنتم عند تجلي الجلال
وتنازعتم في الأمر وخالفتم في أمر الطلب
وعصيتم المرشد المربي
من بعد ما أراكم ما تحبون من الفوز بأنوار الحضرة
منكم من يريد الدنيا لقصور همته وضعف رأيه
ومنكم من يريد الآخرة لطول باعه وقوة عقله
ثم صرفكم عنهم أي عن أعداء نفوسكم وجنودها
ليبتليكم أي يمتحنكم بالستر بعد التجلي بأنوار المشاهدات والصحو بعد السكر بأقداح الواردات والفطام بعد إرضاع ألبان الملاطفات كما يقتضي ذلك الجلال
ولقد عفا عنكم بعد ذلك فانقطعتم إليه كما هو مقتضى الجمال
والله ذو فضل عظيم على المؤمنين في طوري التقريب والإبعاد ، وما ألطف قول من قال :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم
إذ تصعدون في جبل التوجه إلى الحق
ولا تلوون أي لا تلتفتون
على أحد من الأمرين الدنيا والآخرة
والرسول أي رسول الواردات
يدعوكم إلي عباد الله إلي عباد الله
فأثابكم غما بغم فجازاكم بدل غم الدنيا والآخرة بغم طلب الحق
لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من زخارف الدنيا
ولا ما أصابكم من صدمات تجلي القهر
والله خبير بما تعملون لأنه سبحانه أقرب إليكم منكم .
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا أي وارادا من ألطافه ظهر في صورة النعاس وهو السكينة الرحمانية
يغشى طائفة منكم وهم الصادقون في الطلب
وطائفة قد أهمتهم أنفسهم وهم أرباب النفوس فإنهم لا هم لهم سوى حظ نفوسهم واستيفاء لذاتها
يظنون بالله غير الحق بمقتضى سوء استعدادهم
يقولون هل لنا من الأمر من شيء أي إن الخلق حالوا بيننا وبين التدبير ولو لم يحولوا لفعلنا ما به صلاحنا
قل إن الأمر كله لله فهو المتصرف وحده حسبما يقتضيه الاستعداد فلا تدبير مع تدبيره ، ولا وجود لأحد سواه
يخفون في أنفسهم الخبيثة
ما لا يبدون بزعمهم لك أيها المرشد الكامل
يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا بسيف الشهوات (
ها هنا ) أي في هذه النشأة
قل لو كنتم في بيوتكم وهي منازل العدم الأصلي قبل ظهور هذه التعينات
لبرز على حسب العلم
الذين كتب عليهم القتل في لوح الأزل
إلى مضاجعهم وهي بيداء الشهوات ، فقد قال سبحانه :
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أي نظهرها بهذا التعين ، وإنما فعل سبحانه ما فعل لحكم شتى
وليبتلي الله تعالى
ما في صدوركم أي ليمتحن ما في استعدادكم من الصدق والإخلاص والتوكل ونحو ذلك من الأخلاق ويخرجها من القوة إلى الفعل
وليمحص ما في قلوبكم أي يخلص ما برز من مكمن الصدر إلى مخزن القلب من غش الوساوس وخواطر النفس ، فإن البلاء سوط يسوق الله تعالى به عباده إليه ، ولهذا ورد : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=664692أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " . ولله تعالى در من قال :
لله در النائبات فإنها صدأ اللئام وصيقل الأحرار
ما كنت إلا زبرة فطبعنني سيفا وأطلع صرفهن غراري
[ ص: 104 ] وذلك لأنهم حينئذ ينقطعون إلى الحق ، ولا يظهر على كل منهم إلا ما في مكمن استعداده كما قيل : عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان ، والخطاب في كلا الموضعين للمؤمنين ، وقيل : إن الخطاب الأول للمنافقين ، والثاني للمؤمنين ، وأنه سبحانه إنما خص الصدور بالأولين لأن الصدر معدن الغل والوسوسة فهو أوفق بحال المنافقين ، وخص القلوب بالآخرين لأن القلب مقر الإيمان والاطمئنان وهو أوفق بحال المؤمنين ، وأن نسبة الإسلام باللسان إلى الإيمان بالجنان كنسبة الصدر إلى القلب قيل : ولهذا قال سبحانه :
والله عليم بذات الصدور بناء على أن المراد به الترهيب والتحذير عن الاتصال بما لا يرضى من تلك الصفات التي يكون الصدر مكمنا لها .
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان جمع الروح وقواها وجمع النفس وقواها
إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا من الذنوب لأنها تورث الظلمة ، والشيطان لا مجال له على ابن
آدم بالتزيين والوسوسة إلا إذا وجد ظلمة في القلب ، ولك أن تبقي الجمعين على ظاهرهما وباقي الإشارة بحاله
ولقد عفا الله عنهم حين استنارت قلوبهم بنور الندم والتوبة
إن الله غفور حليم وبمقتضى ذلك ظهرت المخالفات وأردفت بالتوبة ليكون ذلك مرآة لظهور صفات الله تعالى .
ومن هنا جاء : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=688581لو لم تذنبوا لأتى الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " .
وحكي أن
إبراهيم بن أدهم رضي الله تعالى عنه أكثر ليلة في الطواف من قوله : اللهم اعصمني من الذنوب ، فسمع هاتفا من قلبه يقول : يا
إبراهيم أنت تسأله العصمة ، وكل عباده يسألونه العصمة ، فإذا عصمكم على من يتفضل وعلى من يتكرم .
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا برؤية الأغيار واعتقاد تأثير السوى ، وقالوا لأجل إخوانهم إذا ضربوا في الأرض إذا فارقوهم بترك ما هم عليه وسافروا في أرض نفوسهم وسلكوا سبيل الرشاد
أو كانوا غزى أي مجاهدين مع أعدى أعدائهم وهي نفوسهم التي بين جنوبهم وقواها وجنودها من الهوى والشيطان
لو كانوا مقيمين
عندنا موافقين لنا
ما ماتوا بمقاساة الرياضة
وما قتلوا بسيف المجاهدة ، ولاستراحوا من هذا النصب
ليجعل الله ذلك أي عدم الكون مثلهم
حسرة يوم القيامة
في قلوبهم حين يرون ما أعد الله تعالى لكم والله يحيي من يشاء بالحياة الأبدية ويميت من يشاء بموت الجهل والبعد عن الحضرة
والله بما تعملون بصير تحذير عن الميل إلى قول المنكرين واعتقادهم