[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المجادلة - 58
بفتح الدال وكسرها ، والثاني هو المعروف ، وتسمى سورة - قد سمع - وسميت في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي رضي الله تعالى عنه الظهار ، وهي على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مدنية وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي وابن السائب إلا قوله تعالى :
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم [المجادلة : 7] ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : العشر الأول منها مدني وباقيها مكي ، وقد انعكس ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي ، وأنها إحدى وعشرون في المكي والمدني الأخير ، واثنتان وعشرون في الباقي ، وفي التيسير هي عشرون وأربع آيات وهو خلاف المعروف في كتاب العدد .
ووجه مناسبتها لما قبلها أن الأولى ختمت بفضل الله تعالى وافتتحت هذه بما هو من ذلك ، وقال بعض الأجلة في ذلك : لما كان في مطلع الأولى ذكر صفاته تعالى الجليلة ، ومنها الظاهر والباطن ، وقال سبحانه :
يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم [الحديد : 4] افتتح هذه بذكر أنه جل وعلا سمع قول المجادلة التي شكت إليه تعالى ، ولهذا قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري تعليقا حين نزلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669667«الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله تعالى قد سمع [المجادلة : 1] » إلخ ، وذكر سبحانه بعد ذلك
ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية ، وهي تفصيل لإجمال قوله تعالى :
وهو معكم أين ما كنتم وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين الحديد والحشر مع تواخيهما في الافتتاح - بسبح - إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل .
بسم الله الرحمن الرحيم
قد سمع الله بإظهار الدال ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن محيصن بإدغامها في السين ، قال
خلف بن هشام البزار : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي يقول : من قرأ قد سمع فبين الدال فلسانه أعجمي ليس بعربي ، ولا يلتفت إلى هذا فكلا الأمرين فصيح متواتر بل الجمهور على البيان
قول التي تجادلك في زوجها أي تراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من الظهار ، وقرئ - تحاورك - والمعنى على ما تقدم وتحاولك أي تسائلك
وتشتكي إلى الله عطف على تجادلك فلا محل للجملة من الإعراب ، وجوز كونها حالا أي تجادلك شاكية حالها إلى الله تعالى ، وفيه بعد معنى ، ومع هذا يقدر معها مبتدأ أي وهي تشتكي لأن المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح فيقدر معها المبتدأ لتكون اسمية ، واشتكاؤها إليه تعالى إظهار بثها وما انطوت عليه من الغم والهم وتضرعها إليه عز وجل وهو من الشكو ، وأصله فتح الشكوة وإظهار ما فيها ، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ثم شاع في ذلك ، وهي امرأة صحابية من
الأنصار اختلف في اسمها واسم أبيها ،
[ ص: 3 ]
فقيل :
خولة بنت ثعلبة بن مالك ، وقيل : بنت خويلد وقيل : بنت حكيم وقيل : بنت الصامت ، وقيل :
خويلة بالتصغير بنت ثعلبة ، وقيل : بنت مالك بن ثعلبة ،وقيل :
جميلة بنت الصامت ، وقيل : غير ذلك ، والأكثرون على أنها
خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية ، وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة
أوس بن الصامت أخو
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، وقيل : هو
سلمة بن صخر الأنصاري ، والحق أن لهذا قصة أخرى ، والآية نزلت في
خولة وزوجها
أوس ، وذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=706901أن زوجها أوسا كان شيخا كبيرا قد ساء خلقه فدخل عليها يوما فراجعته بشيء فغضب ، فقال : أنت علي كظهر أمي ، وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه - وكان هذا أول ظهار في الإسلام - فندم من ساعته فدعاها فأبت ، وقالت : والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فينا ، فأتت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت : يا رسول الله إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرت بطني - أي كثر ولدي - جعلني عليه كأمه وتركني إلى غير أحد فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني بها وإياه فحدثني بها ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن » ، وفي رواية «ما أراك إلا قد حرمت عليه » قالت : ما ذكر طلاقا ، وجادلت رسول الله عليه الصلاة والسلام مرارا ثم قالت : اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما يشق علي من فراقه ، وفي رواية قالت : أشكو إلى الله تعالى فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك اللهم فأنزل على لسان نبيك وما برحت حتى نزل القرآن فيها ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «يا خولة أبشري قالت : خيرا ؟ فقرأ عليه الصلاة والسلام عليها قد سمع الله الآيات » وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه يكرمها إذا دخلت عليه ويقول : قد سمع الله تعالى لها .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الأسماء والصفات أنها لقيته رضي الله تعالى عنه وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها ووضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين حبست رجال
قريش على هذه العجوز قال : ويحك أتدري من هذه ؟ قال : لا . قال : هذه امرأة سمع الله تعالى شكواها من فوق سبع سماوات هذه
خولة بنت ثعلبة ، والله لو لم تنصرف حتى أتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها ، وفي رواية
للبخاري في تاريخه أنها قالت له : قف يا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فوقف فأغلظت له القول ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم فقال رضي الله تعالى عنه : وما يمنعني أن أستمع إليها وهي التي استمع الله تعالى لها فأنزل فيها ما أنزل
قد سمع الله الآيات ، والسماع مجاز عن القبول والإجابة بعلاقة السببية أو كناية عن ذلك ، ( وقد ) للتحقيق أو للتوقع ، وهو مصروف إلى تفريج الكرب لا إلى السمع لأنه محقق أو إلى السمع لأنه مجاز أو كناية عن القبول ، والمراد توقع المخاطب ذلك ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتوقع أن ينزل الله تعالى حكم الحادثة ويفرج عن المجادلة كربها ، وفي الأخبار ما يشعر بذلك والسمع في قوله تعالى :
والله يسمع تحاوركما على ما هو المعروف فيه من كونه صفة يدرك بها الأصوات غير صفة العلم ، أو كونه راجعا إلى صفة العلم ، والتحاور المرادة في الكلام ، وجوز أن يراد به الكلام المردد ، ويقال : كلمته فما رجع إلي حوارا وحويرا ومحورة أي ما رد علي بشيء ، وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده ، وفي نظمها في سلك الخطاب تغليبا تشريف لها من جهتين ، والجملة استئناف
[ ص: 4 ]
جار مجرى التعليل لما قبله فإن إلحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع إلى الله تعالى ومدافعته عليه الصلاة والسلام إياها وعلمه عز وجل بحالهما من دواعي الإجابة ، وقيل : هي حال كالجملة السابقة ، وفيه أيضا بعد ، وقوله تعالى :
إن الله سميع بصير تعليل لما قبله بطريق التحقيق أي إنه تعالى يسمع كل المسموعات ويبصر كل المبصرات على أتم وجه وأكمله ومن قضية ذلك أن يسمع سبحانه تحاورهما ، ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها إلى السماء وسائر آثار التضرع ، والاسم الجليل في الموضعين لتربية المهابة وتعليل الحكم بما اشتهر به الاسم الجليل من وصف الألوهية وتأكيد استقلال الجملتين ، وقوله عز وجل :