ورفعا لما عسى أن يتوهم من الجواب من استقلالهم في وقوع الحادثة رجع إلى خطابهم برفع الواسطة وجواب سؤالهم بأبسط عبارة فقال سبحانه :
وما أصابكم أيها المؤمنون من النكبة بقتل من قتل منكم
يوم التقى الجمعان أي جمعكم وجمع أعدائكم المشركين ، والمراد بذلك اليوم يوم
أحد ، وقول بعضهم - لا يبعد أن يراد به يوم
أحد ، ويوم
بدر - بعيد جدا
فبإذن الله أي بإرادته ، وقيل : بتخليته ، و (ما) اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء ، وجملة (أصابكم) صلته ، وبإذن الله : خبره .
والمراد بإذن الله يكون ويحصل ، ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط ، ووجه السببية ليس بظاهر إذ الإصابة ليست سببا للإرادة ولا للتخلية ، بل الأمر بالعكس فهو من قبيل
وما بكم من نعمة فمن الله أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله ؛ لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب وقد يكون للطالب ، وكذا الإخبار ، وإلى هذا ذهب كثير من المحققين ، وادعى السمين أن في الكلام إضمارا أي فهو بإذن الله ، ودخول الفاء لما تقدم ، ثم قال : وهذا مشكل على ما قرره الجمهور لأنه لا يجوز عندهم دخول هذه الفاء زائدة في الخبر إلا بشروط ، منها أن تكون الصلة مستقبلة في المعنى ، وذلك لأن الفاء إنما دخلت للشبه بالشرط ، والشرط إنما يكون في الاستقبال لا في الماضي ، فلو قلت : الذي أتاني أمس فله درهم لم يصح ، و (أصابكم) هنا ماض معنى كما أنه ماض لفظا ؛ لأن القصة ماضية فكيف جاز دخول هذه الفاء ؟ وأجابوا عنه بأنه يحمل على التبين أي وما يتبين إصابته إياكم فهو بإذن الله كما تأولوا
وإن كان قميصه قد من دبر بذلك ، ثم قال : وإذا صح هذا التأويل فليجعل (ما) هنا شرطا صريحا ، وتكون الفاء داخلة وجوبا لكونها واقعة جوابا للشرط انتهى ، ولا يخفى ما فيه .
وليعلم المؤمنين (166) عطف على بإذن الله ، من عطف السبب على المسبب ، والمراد ليظهر للناس ويثبت لديهم إيمان المؤمن .