سورة الطلاق
وتسمى سورة -النساء القصرى - كذا سماها
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود كما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره ، وأنكره
الداودي ، فقال : لا أرى القصرى محفوظا ولا يقال لشيء من سورة القرآن : قصرى ولا صغرى ، وتعقبه
ابن حجر بأنه رد للأخبار الثابتة بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي ، وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت أنه قال : طولى الطوليين ، وأراد بذلك سورة الأعراف -وهي مدنية بالاتفاق . .
واختلف في عدد آياتها ففي البصري إحدى عشرة آية ، وفيما عداه اثنتا عشرة آية ، ولما ذكر سبحانه فيما تقدم
إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم [التغابن : 14] وكانت العداوة قد تفضي إلى الطلاق ذكر جل شأنه هنا الطلاق وأرشد سبحانه إلى الانفصال منهن على الوجه الجميل ، وذكر عز وجل أيضا ما يتعلق بالأولاد في الجملة ، فقال عز من قائل :
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء خص النداء به صلى الله تعالى عليه وسلم وعم الخطاب بالحكم لأن النبي عليه الصلاة والسلام إمام أمته كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه ، وأنه المتكلم عنهم والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه فكان هو وحده في حكمهم كلهم وسادا مسد جميعهم ، وفي ذلك من إظهار جلالة منصبه عليه الصلاة والسلام ما فيه ، ولذلك اختير لفظ " النبي " لما فيه من الدلالة على علو مرتبته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقيل : الخطاب كالنداء له صلى الله تعالى عليه وسلم إلا أنه اختير ضمير الجمع للتعظيم نظير ما في قوله :
ألا فارحموني يا إله
محمد وقيل : إنه بعد ما خاطبه عليه الصلاة والسلام بالنداء صرف سبحانه الخطاب عنه لأمته تكريما له صلى الله تعالى عليه وسلم لما في الطلاق من الكراهة فلم يخاطب به تعظيما ، وجعل بعضهم الكلام على هذا بتقدير القول أي قل لأمتك :
إذا طلقتم ، وقيل : حذف نداء الأمة ، والتقدير يا أيها النبي
[ ص: 129 ]
وأمة النبي إذا طلقتم ، وأيا ما كان فالمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف للفعل منزلة الشارع فيه ، واتفقوا على أنه لولا هذا التجوز لم يستقم الكلام لما فيه من تحصيل الحاصل ، أو كون المعنى إذا طلقتم فطلقوهن مرة أخرى وهو غير مراد ، وقال بعض المحققين : لك أن تقول : لا حاجة إلى ذلك بل هو من تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة على اللزوم كما يقال : إن ضربت زيدا فاضربه ضربا مبرحا لأن المعنى إن يصدر منك ضرب فليكن ضربا شديدا ، وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر . انتهى ، وأنت تعلم أن المتبادر فيما ذكره كونه على معنى الإرادة أيضا
فطلقوهن لعدتهن أي لاستقبال عدتهن ، واللام للتوقيت نحو كتبته لأربع ليال بقين من جمادى الأولى ، أو مستقبلات لها على ما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وتعقبه
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بما فيه نظر واعتبار الاستقبال - رأي من يرى أن العدة بالحيض وهي القروء في آية البقرة - كالإمام
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - ليكون الطلاق في الطهر وهو الطلاق المأمور به ، والمراد بالأمر بإيقاعه في ذلك النهي عن إيقاعه في الحيض .
وقد صرحوا جميعا بأن ذلك الطلاق بدعي حرام ، وقيد الطهر بكونه لم يجامعن فيه ، واستدل لذلك ، ولاعتبار الاستقبال بما أخرجه الإمامان :
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والشيخان
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وآخرون
nindex.php?page=hadith&LINKID=659683عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر «أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال : ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء .
وقرأ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم- يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن - وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كما أخرج عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره يقرأ كذلك ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وفي رواية عنهما أنهما قرآ لقبل عدتهن ومن يرى أن العدة بالأطهار -وهي القروء - في تلك الآية كالإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يعلق لام التوقيت بالفعل ولا يعتبر الاستقبال ، واعترض على التأويل بمستقبلات لعدتهن بأنه إن أريد التلبس بأولها فهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومن يرى رأيه لا عليه وعلى المخالف لا له ، وإن أريد المشارفة عادة فخلاف مقتضى اللفظ لأن اللام إذا دخلت الوقت أفادت معنى التأقيت والاختصاص بذلك الوقت لا استقبال الوقت ، وعلى الاستدلال بقراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حسبما تضمنه الحديث السابق بأن قبل الشيء أوله نقيض دبره فهي مؤكدة لمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا دافعة له ، ويشهد لكون العدة بالأطهار قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - لقبل طهرهن - ومنهم من قال : التقدير لأطهار عدتهن ، وتعقب بأنه إن جعلت الإضافة بمعنى - من - دل على أن القرء هو الحيض والطهر معا ، وإن جعلت بمعنى اللام فيكفي ما في قولك لأطهار الحيض من التنافر ردا مع ما فيه من الإضمار من غير دليل .
وفي الكشاف المراد - أي من الآية - أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه ، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن وهو أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعد من الندم ، ويدل عليه ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يطلقها للسنة إلا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدة ، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا في ثلاثة أطهار ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا أعرف
طلاق السنة إلا واحدة وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو مفروقة ، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد
[ ص: 130 ]
فأما مفروقا في الأطهار فلا لما روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=75647أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض : «ما هكذا أمرك الله إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا وتطلقها لكل قرء تطليقة » وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=686021«مر ابنك فليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء » .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث ، وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح ،
فمالك يراعي في طلاق السنة الواحدة والوقت ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يراعي الوقت . انتهى .
وفي فتح القدير في الاحتجاج على عدم كراهة التفريق على الأطهار وكونه من الطلاق السني رواية غير ما ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أيضا ، وقد قال فيها ما قال إلا أنه في الآخرة رجح قبولها ، والمراد بإرسال الثلاث دفعة ما يعم كونها بألفاظ متعددة كأن يقال : أنت طالق أنت طالق أنت طالق ، أو بلفظ واحد كأن يقال : أنت طالق ثلاثا ، وفي وقوع هذا ثلاثا خلاف ، وكذا في وقوع الطلاق مطلقا في الحيض ، فعند الإمامية لا يقع الطلاق بلفظ الثلاث . ولا في حالة الحيض لأنه بدعة محرمة ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820 : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » ، ونقله غير واحد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب وجماعة من التابعين ، وقال قوم منهم- فيما قيل -
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة : الطلاق الثلاث بفم واحد يقع به واحدة ، وروى هذه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - وهو اختيار
ابن تيمية من الحنابلة - وفي الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=673804أن أبا الصهباء قال nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال : نعم ، وفي رواية
لمسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=659697أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم ، ومنهم من قال في المدخول بها : يقع ثلاث ، وفي الغير واحدة لما في
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=hadith&LINKID=673803أن أبا الصهباء كان كثير السؤال من nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوا ذلك واحدة على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الحديث ، والذي ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من أئمة المسلمين - ومنهم الأئمة الأربعة - وقوع الثلاث بفم واحد بل ذكر الإمام
ابن الهمام وقوع الإجماع السكوتي من الصحابة على الوقوع .
ونقل عن أكثر مجتهديهم
كعلي كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص الإفتاء الصريح بذلك ، وذكر أيضا أن إمضاء
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الثلاث عليهم مع عدم مخالفته الصحابة له مع علمهم بأنها كانت واحدة لا يمكن إلا لأنهم قد اطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ ، أو لعلمهم بانتهاء الحكم لعلمهم بإناطته بمعان علموا انتهاءها في الزمان المتأخر ، واستحسن
ابن حجر في التحفة الجواب بالاطلاع على ناسخ بعد نقله جوابين سواه وتزييفه لهما ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بعض أخبار مرفوعة يستدل بها على وقوع الثلاث ، لكن قيل : إن الثلاث فيها يحتمل أن تكون بألفاظ ثلاثة كأنت طالق أنت طالق أنت طالق ، ولعله هو الظاهر لا بلفظ واحد كأنت طالق ثلاثا ، وحينئذ لا يصلح ذلك للرد على من لم يوقع الثلاث بهذا اللفظ لكن إذا صح الإجماع ولو سكوتيا على الوقوع لا ينبغي إلا الموافقة والسكوت ، وتأويل ما روي عن عمر ، ولذا قال بعض الأئمة : لو حكم قاض بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه
[ ص: 131 ]
لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه لإجماع الأئمة المعتبرين عليه ، وإن اختلفوا في معصية من يوقعه كذلك ، ومن قال : بمعصيته استدل بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
محمود بن لبيد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669609«أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا جميعا فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ ! حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله » وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=hadith&LINKID=936788عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أن أباه طلق امرأة له ألف تطليقة فانطلق عبادة فسأله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : «بانت بثلاث في معصية الله وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون عدوان وظلم إن شاء الله تعالى عذبه وإن شاء غفر له » ويفهم من هذا حرمة إيقاع الزائد أيضا وهو ظاهر كلام ابن الرفعة ، ومقتضى قول
الروياني - واعتمده
الزركشي . وغيره -أنه يعزر فاعله ، ووجه بأنه تعاطى نحو عقد فاسد وهو حرام ، ونوزع في ذلك بما فيه نظر ، وبما في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فجاءه رجل فقال : إنه طلق زوجته ثلاثا فقال له : عصيت ربك وبانت منك امرأتك إلى غير ذلك .
ومن قال بعدمها استدل بما رواه الشيخان من أن
عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره صلى الله تعالى عليه وسلم بحرمتها عليه ، وقال : إنه لو كان معصية لنهاه عنه لأنه أوقعه معتقدا بقاء الزوجية ، ومع اعتقادها يحرم الجمع عند المخالف ، ومع الحرمة يجب الإنكار على العالم وتعليم الجاهل ولم يوجدا ، فدل على أن لا حرمة وبأنه قد فعله جماعة من الصحابة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف طلق زوجته
تماضر ثلاثا في موضعه
والحسن ابن علي رضي الله تعالى عنهما طلق زوجته
شهبانوا ثلاثا لما هنته بالخلافة بعد وفاة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه ، وقال بعض الحنفية في ذلك : إنه محمول على أنهم قالوا : ثلاثا للسنة ، وهو أبعد من قول بعض الشافعية فيما روي من الأدلة الدالة على العصيان فيه أنه محمول على أنه كان في الحيض فالمعصية فيه من تلك الحيثية .
واستدل على كونه معصية إذا كان في الحيض بما هو أظهر من ذلك كالروايتين السابقتين فيما نقل عن الكشاف ، وفي الاستدلال بهما على حرمة إرسال الثلاث بحث ، وربما يستدل بالثانية على وجوب الرجعة لكن قد ذكر بعض أجلة الشافعية أنها لا تجب بل تندب في الطلاق البدعي ، وإنما لم تجب لأن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ، وليس في - فليراجعها - أمر
لابن عمر لأنه تفريع على أمر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فالمعنى فليراجعها لأجل أمرك لكونك والده ، واستفادة الندب منه حينئذ إنما هي من القرينة ، وإذا راجع ارتفع الإثم المتعلق بحق الزوجة لا في الرجعة قاطعة للضرر من أصله فكانت بمنزلة التوبة ترفع أصل المعصية ، وبه فارق دفن البصاق في المسجد فإنه قاطع لدوام ضرره لا لأصله لأن تلويث المسجد به قد حصل ، ويندفع بما ذكر ما قيل : رفع الرجعة للتحريم كالتوبة يدل على وجوبها إذ كون الشيء بمنزلة الواجب في خصوصية من خصوصياته لا يقتضي وجوبه ، ولا يستدل بما اقتضته الآية من النهي عن إيقاع الطلاق في الحيض على فساد الطلاق فيه إذ النهي عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يستلزم الفساد مطلقا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدل على الفساد في العبادات وفي المعاملات إذا رجع إلى نفس العقد أو إلى أمر داخل فيه أو لازم له فإن رجع إلى أمر مقارن كالبيع وقت النداء فلا ، وما نحن فيه لأمر مقارن وهو زمان الحيض فهو عنده لا يستلزم الفساد هنا أيضا ، وأيد ذلك بأمر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بالرجعة إذ لو لم يقع الطلاق لم يؤمر بها قيل : وما كان منه من
التطليق في الحيض سبب نزول هذه الآية والذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه من طريق
أبي الزبير عنه وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
[ ص: 132 ]
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل قال : بلغنا أن قوله تعالى :
يا أيها النبي إذا طلقتم الآية نزل في
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص وطفيل بن الحارث وعمرو بن سعيد بن العاص ، وقال بعضهم : فعله ناس منهم ابن
عمرو بن العاص .
وعتبة بن غزوان فنزلت الآية ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة فنزلت إلى قوله تعالى :
يحدث بعد ذلك أمرا فراجعها عليه الصلاة والسلام ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي نقلا عن علماء الحديث : إن الأصح أنها نزلت ابتداء لبيان حكم شرعي ، وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان نحوه عن
الحافظ أبي بكر بن العربي ، وظاهرها أن نفس الطلاق مباح ، واستدل له أيضا بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673785«إن من أبغض المباحات عند الله عز وجل الطلاق » وفي لفظ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503694«أبغض الحلال إلى الله الطلاق » لوصفه بالإباحة والحل لأن أفعل بعض ما يضاف إليه ، والمراد من كونه مبغوضا التنفير عنه أو كونه كذلك من حيث إنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة لا من حيث حقيقته في نفسه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : البغض على إيقاعه كل وقت من غير رعاية لوقته المسنون ، وبطلاقه صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ثم أمره تعالى إياه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة ، وقال غير واحد : هو محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح ، ولقوله عليه الصلاة والسلام :
«لعن الله كل مذواق مطلاق » وإنما أبيح للحاجة ، قال
ابن الهمام : وهذا هو الأصح فيكره إذا لم يكن حاجة ، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود - ما أحل الله تعالى شيئا أبغض إليه من الطلاق - فإن الفعل لا عموم له في الأزمان ، ومن الحاجة الكبر وعدم اشتهائه جماعها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه عليه وهي لا ترضى بترك ذلك ، وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن - وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه من قوله : أحب الغنى - قال الله سبحانه :
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته [النساء : 130] فهو رأي منه إن كان على ظاهره ، وكل ما نقل من طلاق الصحابة - كطلاق
المغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة - فقد قال لهن : أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق فمحمله وجود الحاجة ، وإن لم يصرح بها ، وقال
ابن حجر : هو إما واجب كطلاق مول لم يرد الوطء وحكمين رأياه ، أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها ، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها ، ومن ثم أمر صلى الله تعالى عليه وسلم من قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669672«إن زوجتي لا ترد يد لامس » أي لا تمنع من يريد الفجور بها على أحد أقوال من معناه بإمساكها خشية من ذلك ، ويلحق بخشية الفجور بها حصول مشقة له بفراقها تؤدي إلى مبيح تيمم ، وكون مقامها عنده أمنع لفجورها فيما يظهر فيهما ، أو سيئة الخلق أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة فيما يظهر ، وإلا فغير سيئة الخلق كالغراب الأعصم أو يأمره به أحد والديه أي من غير تعنت كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات ، ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر ، أو حرام كالبدعي ، أو مكروه بأن سلم الحال عن ذلك كله للخبر الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=100876«ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق » ولدلالته على زيادة التنفير عنه قالوا : ليس فيه مباح لكن صوره الإمام بما إذا لم يشتهها أي شهوة كاملة ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع . اهـ .
والآية على ما لا يخفى على المنصف لا تدل على أكثر من حرمته في الحيض ، والمراد بالنساء فيها المدخول بهن من المعتدات بالحيض على ما في الكشاف ، وغيره لمكان قوله سبحانه :
فطلقوهن لعدتهن .
[ ص: 133 ] وأحصوا العدة واضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل ، وأصل معنى الإحصاء العد بالحصى كما كان معتادا قديما ثم صار حقيقة فيما ذكر
واتقوا الله ربكم في تطويل العدة عليهن والإضرار بهن ، وفي وصفه تعالى بربوبيته عز وجل لهم تأكيد للأمر ومبالغة في إيجاب الاتقاء
لا تخرجوهن من بيوتهن من مساكنهن عند الطلاق إلى أن تنقضي عدتهن ، وإضافتها إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها أملاكهن ، وعدم العطف للإيذان باستقلاله بالطلب اعتناء به ، والنهي عن الإخراج يتناول عدم إخراجهن غضبا عليهن أو كراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن أو محض سفه بمنطوقه ، ويتناول عدم الإذن لهن في الخروج بإشارته لأن خروجهن محرم بقوله تعالى :
ولا يخرجن أما إذا كانت لا ناهية كالتي قبلها فظاهر ، وأما إذا كانت نافية فلأن المراد به النهي ، وهو أبلغ من النهي الصريح كما لا يخفى ، والإذن في فعل المحرم محرم فكأنه قيل : لا تخرجوهن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن فهناك دلالة على أن سكونهن في البيوت حق للشرع مؤكد فلا يسقط بالإذن ، وهذا على ما ذكره الجلبي مذهب الحنفية ، ومذهب الشافعية أنهما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما ، فالمعنى لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن وتعقب
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب كون ذلك مذهب الحنفية بقوله : فيه نظر ، وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرازي في الأحكام ما يدل على خلافه وأن السكنى كالنفقة تسقط بالإسقاط . انتهى .
والذي يظهر من كلامهم ما ذكره
الجلبي ، وقد نص عليه
الحصكفي في الدر المختار ، وعلله بأن ذلك حق الله تعالى فلا يسقط بالإذن ، وفي الفتح لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مؤنة السكنى عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيته ، وأما أن يحل لها الخروج فلا
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أي ظاهرة هي نفس الخروج قبل انقضاء العدة كما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه
nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وابن السائب
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي - وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - والاستثناء عليه راجع إلى " لا يخرجن " والمعنى لا يطلق لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة ، ومن المعلوم أنه لا يطلق لهن فيه فيكون ذلك منعا عن الخروج على أبلغ وجه ، وقال الإمام
ابن الهمام : هذا كما يقال في الخطابية : لا تزن إلا أن تكون فاسقا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ، ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جدا ، والزنا على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة وحماد والليث ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وبه أخذ
أبو يوسف ، والاستثناء عليه راجع إلى لا تخرجوهن على ما يقتضيه ظاهر كلام جمع أي لا تخرجوهن إلا إن زنين فأخرجوهن لإقامة الحد عليهن ، وقال بعض المحققين : هو راجع إلى الكل وما يوجب حدا من زنا أو سرقة أو غيرهما - كما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب - واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، والبذاء على الأحماء أي أو على الزوج - كما أخرجه جماعة من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - والاستثناء راجع إلى الأول أي لا تخرجوهن إلا إذا طالت ألسنتهن وتكلمن بالكلام الفاحش القبيح على أزواجهن أو أحمائهن ، وأيد بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي «إلا أن يفحشن عليكم » بفتح الياء وضم الحاء ، وفي موضح
الأهوازي «يفحشن » من أفحش ، قال
الجوهري : أفحش عليه في النطق أي أتى بالفحش ، وفي حرف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - إلا أن يفحشن - بدون عليكم والنشوز ، والمراد إلا أن
[ ص: 134 ]
يطلقن على النشوز على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أيضا ، والاستثناء عليه قيل : راجع إلى الأول أيضا ، وفي الكشف هو راجع إلى الكل لأنه إذا سقط حقها في السكنى حل الإخراج والخروج أيضا ، وأيا ما كان فليس في الآية حصر المبيح لفعل المنهي عنه بالإتيان بالفاحشة ، وقد بينت المبيحات في كتب الفروع فليراجعها من أراد ذلك .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر «مبينة » بالفتح
وتلك إشارة إلى ما ذكر من الأحكام أي تلك الأحكام الجليلة الشأن
حدود الله التي عينها لعباده عز وجل
ومن يتعد حدود الله أي حدوده تعالى المذكورة بأن أخل بشيء منها على أن الإظهار في موضع الإضمار لتهويل أمر التعدي والإشعار بعلة الحكم في قوله تعالى :
فقد ظلم نفسه أي أضر بها كما قال شيخ الإسلام ، ونقل عن بعض تفسير الظلم بتعريضها للعقاب ، وتعقبه بأنه يأباه قوله سبحانه :
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإنه استئناف مسوق لتعليل مضمون الشرطية ، وقد قالوا : إن الأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه عما فعله بالتعدي إلى خلافه فلا بد أن يكون الظلم عن ضرر دنيوي يلحقه بسبب تعديه ولا يمكنه تداركه ، أو عن مطلق الضرر الشامل للدنيوي والأخروي ، وخص التعليل بالدنيوي لكون احتراز أكثر الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى .
ورد بأن الضرر الدنيوي غير محقق فلا ينبغي تفسير الظلم ها هنا به ، وأن قوله تعالى :
لا تدري إلخ ليس تعليلا لما ذكر بل هو ترغيب للمحافظة على الحدود بعد الترهيب ، وفيه أنه بالترهيب أشبه منه بالترغيب ، ولعل المراد من أضر بها عرضها للضرر ، فالظلم هو ذلك التعريض ولا محذور في تفسيره به فيما يظهر ، وجملة الترجي في موضع النصب بـ
لا تدري ، وعد
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان لعل من المعلقات ، والخطاب في
لا تدري للمتعدي بطريق الالتفات لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدي لا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما قيل ، فالمعنى من يتعدى حدود الله تعالى فقد عرض نفسه للضرر فإنك لا تدري أيها المتعدي عاقبة الأمر
لعل الله تعالى يحدث في قلبك
بعد ذلك الذي فعلت من التعدي
أمرا يقتضي خلاف ما فعلته فيكون بدل بغضها محبة وبدل الإعراض عنها إقبالا إليها ، ولا يتسنى تلافيه برجعة أو استئناف