فقوله تعالى :
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم بدل من (
الذين استجابوا ) أو صفة ، والمراد من الناس : الأول : ركب
عبد قيس ، ومن الثاني :
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان ومن معه ، فأل فيهما للعهد ، والناس الثاني غير الأول .
[ ص: 126 ] وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة وغيرهم أنهم قالوا : والخبر متداخل ،
نزلت هذه الآيات في غزوة بدر الصغرى ، وذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف : يا محمد موعد ما بيننا وبينك موسم بدر القابل إن شئت ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ذلك بيننا وبينك إن شاء الله تعالى ، فلما كان العام المقبل خرج nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران ، وقيل : بلغ عسفان ، فألقى الله تعالى عليه الرعب فبدا له الرجوع ، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال له nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان : إني واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر ، وإن هذه عام جدب ، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة ، فالحق المدينة فتثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يدي سهيل بن عمرو ، فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان فقال لهم : بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد ، فتريدون أن تخرجوا إليهم وقد جمعوا لكم عند الموسم ، فوالله لا يفلت منكم أحد ، فكره أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخروج ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي ، فخرج ومعه سبعون راكبا يقولون : (حسبنا الله ونعم الوكيل) حتى وافى بدرا فأقام بها ثمانية أيام ينتظر nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان ، وقد انصرف nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان ومن معه من مجنة إلى مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق يريدون أنكم لم تفعلوا شيئا سوى شرب السويق ، ولم يلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحدا من المشركين فكر راجعا إلى المدينة ، وفي ذلك يقول
nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة أو
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك :
وعدنا أبا سفيان وعدا فلم نجد لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا
لأبت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه
وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أف لدينكم
وأمركم الشيء الذي كان غاويا
وإني وإن عنفتموني لقائل
فدى لرسول الله أهلي وماليا
أطعناه لم نعدله فينا بغيره
شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا
فعلى هذا المراد من الناس الأول
نعيم ، وأطلق ذلك عليه كما يطلق الجمع واسم الجمع المحلى بأل الجنسية على الواحد منه مجازا كما صرحوا به ، أو باعتبار أن المذيعين له كالقائلين لهم لكن في كون القائل
نعيما مقال .
وقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16965ابن سعد في طبقاته ، وذكر بعضهم أن القائلين أناس من
عبد قيس .
فزادهم إيمانا الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال : أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده ، أو لله تعالى ، وتعقب
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان الأول بأنه ضعيف من حيث إنه لا يزيد إيمانا إلا النطق به لا هو في نفسه ، وكذا الثالث بأنه إذا أطلق على المفرد لفظ الجمع مجازا فإن الضمائر تجري على ذلك الجمع لا على المفرد فيقال : مفارقه شابت ، باعتبار الإخبار عن الجمع ، ولا يجوز : مفارقه شاب ، باعتبار مفرقه شاب ، وفي كلا التعقيبين نظر ، أما الأول فقد نظر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=14158الحلبي بأن المقول هو الذي في الحقيقة حصل به زيادة الإيمان ، وأما الثاني فقد نظر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=14486السفاقسي بأنه لا يبعد جوازه بناء على ما علم من استقراء كلامهم فيما له لفظ وله معنى من اعتبار اللفظ تارة والمعنى أخرى .
والمراد أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله تعالى ، وازدادوا طمأنينة وأظهروا حمية الإسلام .
[ ص: 127 ] واستدل بذلك من قال : إن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا ، وهذا ظاهر إن جعلت الطاعة من جملة الإيمان ، وأما إن جعل الإيمان نفس التصديق والاعتقاد فقد قالوا في ذلك : إن اليقين مما يزداد بالألف وكثرة التأمل وتناصر الحجج بلا ريب ، ويعضد ذلك أخبار كثيرة ، ومن جعل الإيمان نفس التصديق وأنكر أن يكون قابلا للزيادة والنقصان يؤول ما ورد في ذلك باعتبار المتعلق ، ومنهم من يقول : إن زيادته مجاز عن زيادة ثمرته وظهور آثاره وإشراق نوره وضيائه في القلب ، ونقصانه على عكس ذلك ، وكأن الزيادة هنا مجاز عن ظهور الحمية وعدم المبالاة بما يثبطهم ، وأنت تعلم أن التأويل الأول هنا خفي جدا ؛ لأنه لم يتجدد للقوم بحسب الظاهر عند ذلك القول شيء يجب الإيمان به كوجوب صلاة أو صوم مثلا ليقال : إن زيادة إيمانهم باعتبار ذلك المتعلق ، وكذا التزام التأويل الثاني في الآيات والآثار التي لم تكد تتمنطق بمنطقة الحصر بعيد غاية البعد .
فالأولى القول بقبول الإيمان الزيادة والنقصان من غير تأويل ، وإن قلنا : إنه نفس التصديق ، وكونه إذا نقص يكون ظنا أو شكا ، ويخرج عن كونه إيمانا وتصديقا مما لا ظن ولا شك في أنه على إطلاقه ممنوع .
نعم قد يكون التصديق بمرتبة إذا نزل عنها يخرج عن كونه تصديقا ، وذاك مما لا نزاع لأحد في أنه لا يقبل النقصان مع بقاء كونه تصديقا ، وإلى هذا أشار بعض المحققين .
وقالوا حسبنا الله أي محسبنا وكافينا من أحسبه إذا كفاه ، والدليل على أن حسب بمعنى محسب اسم فاعل وقوعه صفة للنكرة في هذا رجل حسبك مع إضافته إلى ضمير المخاطب ، فلولا أنه اسم فاعل وإضافته لفظية لا تفيده تعريفا كإضافة المصدر ما صح كونه صفة لرجل كذا قالوا ، ومنه يعلم أن المصدر المؤول باسم الفاعل له حكمه في الإضافة ، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة التي قبلها .
ونعم الوكيل (172) أي الموكول إليه ففعيل بمعنى مفعول ، والمخصوص بالمدح محذوف هو ضميره تعالى ، والظاهر عطف هذه الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية التي قبلها ، والواو إما من الحكاية أو من المحكي ، فإن كان الأول وقلنا : بجواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب لكونهما حينئذ في حكم المفردين ، فأمر العطف ظاهر من غير تكلف التأويل لأن الجملة المعطوف عليها في محل نصب مفعول . (قالوا) لكن القول بجواز هذا العطف بدون التأويل عند الجمهور ممنوع لا بد له من شاهد ولم يثبت .
وإن كان الثاني وقلنا بجواز عطف الإنشاء على الإخبار مطلقا - كما ذهب إليه
الصفار - أو قلنا : بجواز عطف القصة على القصة أعني عطف حاصل مضمون إحدى الجملتين على حاصل مضمون الأخرى من غير نظر إلى اللفظ - كما أشار إلى ذلك العلامة الثاني - فالأمر أيضا ظاهر ، وإن قلنا : بعدم جواز ذلك - كما ذهب إليه الجمهور فلا بد من التأويل إما في جانب المعطوف عليه أو في جانب المعطوف ، والذاهبون إلى الأول قالوا : إن الجملة الأولى وإن كانت خبرية صورة ، لكن المقصود منها إنشاء التوكل أو الكفاية لا الإخبار بأنه تعالى كاف في نفس الأمر ، والذاهبون إلى الثاني اختلفوا فمنهم من قدر قلنا أي - وقلنا نعم الوكيل -.
واعترض بأنه تقدير لا ينساق الذهن إليه ، ولا دلالة للقرينة عليه مع أنه لا يوجد بين الإخبار بأن الله تعالى كافيهم والإخبار بأنهم قالوا - نعم الوكيل - مناسبة معتد بها يحسن بسببها العطف بينهما ، ومنهم من جعل مدخول الواو معطوفا على ما قبله بتقدير المبتدأ إما مؤخرا لتناسب المعطوف عليه ، فإن (حسبنا) خبر ، و (الله) مبتدأ بقرينة ذكره في المعطوف عليه ومجيء حذفه في الاستعمال وانتقال الذهن إليه ، وإما مقدما رعاية لقرب المرجع مع ما سبق.
[ ص: 128 ] واعترض بأنه لا يخفى أنه بعد تقدير المبتدأ لو لم يؤول - نعم الوكيل - بمقول في حقه ذلك تكون الجملة أيضا إنشائية ، إذ الجملة الاسمية التي خبرها إنشاء إنشائية كما أن التي خبرها فعل فعلية بحسب المعنى ، كيف لا ولا فرق بين : نعم الرجل زيد ، وزيد نعم الرجل ، في أن مدلول كل منهما نسبة غير محتملة للصدق والكذب ، وبعد التأويل لا يكون المعطوف جملة (نعم الوكيل) ، بل جملة متعلق خبرها (نعم الوكيل) والإشكال إنما هو في عطف (نعم الوكيل) إلا أن يقال يختار هذا ، ويقال : الجواب عن شيء قد يكون بتقرير ذلك الشيء وإبداء شيء آخر ، وقد يكون بتغيير ذلك الشيء وما ههنا من الثاني ، فمن حيث الظاهر المعطوف هو جملة (نعم الوكيل) فيعود الإشكال ، ومن حيث الحقيقة هو جملة هو مقول ، فلا إشكال ، لكن يرد أنه بعد التأويل يفوت إنشاء المدح العام الذي وضع أفعال المدح له ، بل يصير للإخبار بالمدح الخاص ، وهو أنه مقول في حقه (نعم الوكيل) وأيضا مقولية المقول المذكور فيه إنما تكون بطريق الحمل والإخبار عنه بنعم الوكيل ، فلا بد من تقدير مقول في حقه مرة أخرى ، ويلزم تقديرات غير متناهية ، وكأنه لهذا لم يؤول الجمهور الإنشاء الواقع خبرا بذلك ، وإنما هو مختار
السعد رحمه الله تعالى ، وقد جوز بعضهم على تقدير كون الواو من المحكي عطف (نعم الوكيل) على (حسبنا) باعتبار كونه في معنى الفعل كما عطف (جعل) على (فالق) في قوله تعالى :
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا على رأي ، فحينئذ يكون من عطف الجملة التي لها محل من الإعراب على المفرد ؛ لأنه إذ ذاك خبر عن المفرد ، وبعض المحققين يجوزون ذلك لا من عطف الإنشاء على الإخبار ، وهذا وإن كان في الحقيقة لا غبار عليه ، إلا أن أمر العطف على الخبر بناء على ما ذكره الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14374الرضي من أن نعم الرجل بمعنى المفرد وتقديره أي رجل جيد ، أظهر ، كما لا يخفى .
ومن الناس من ادعى أن الآية شاهد على جواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب بناء على أن الواو من الحكاية لا غير .
ولا يخفى عليك أنه بعد تسليم كون الواو كذلك فيها لا تصلح شاهدا على ما ذكر لجواز أن يكون (قالوا) مقدرا في المعطوف بقرينة ذكره في المعطوف عليه ، فيكون من عطف الجملة الفعلية الخبرية على الجملة الفعلية الخبرية ، ثم إن الظاهر كما يقتضي أن يكون في الآية عطف على الإخبار ، وفيه الخلاف الذي عرفت ، كذلك يقتضي عطف الفعلية على الاسمية ، وفيه أيضا خلاف مشهور كعكسه ، ومما ذكرنا في أمر الإنشاء والإخبار يستخرج الجواب عن ذلك ، وقد أطال العلماء الكلام في هذا المقام ، وما ذكرناه قليل من كثير ، ووشل من غدير ، ثم إن هذه الكلمة كانت آخر قول
إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار كما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأسماء والصفات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ،
وعبد الرزاق وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : "
إذا وقعتم في الأمر فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها
أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال : حسبي الله ونعم الوكيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم عن
شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :
حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف .