وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم إن هي المخففة واللام دليلها لأنها لا تدخل بعد النافية ولذا تسمى الفارقة على عرف عند النحاة والمعنى أنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك من قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يأكلني أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله وجعل مبالغة في عداوتهم حتى كأنها سرت من القلب والجوارح إلى النظر فعاد يعمل الجوارح وأنشدوا قول الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرا يزل مواطئ الأقدام
أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في
بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي : كان رجل من
العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فتسقط طائفة منها وتهلك، فاقترح الكفار منه أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم وأنشد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا وأخال أنك سيد معيون
فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه هذه الآية، وقد قيل إن قراءتها تدفع ضرر العين وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وفي كتاب الأحكام أنها أصل في أن العين حق والأولى الاستدلال على ذلك بما ورد وصح من عدة طرق أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بسند رجاله -كما قال
الهيثمي - ثقات عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مرفوعا
nindex.php?page=hadith&LINKID=701185«إن العين لتولع بالرجل بإذن الله تعالى حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه» .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة وذلك من خصائص بعض النفوس ولله تعالى أن يخص ما شاء منها بما شاء وإضافته إلى العين باعتبار أن النفس تؤثر بواسطتها غالبا وقد يكون التأثير بلا واسطتها بأن يوصف للعائن شيء فتتوجه إليه نفسه فتفسده ومن قال إن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما شاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب والمسببات وخالف جميع العقلاء قاله
ابن القيم . وقال بعض أصحاب الطبائع إنه ينبعث من العين قوة سمية تؤثر فيما نظره كما فصل في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وهذا لا يتم عندي فيما لم يره ولا في نحو ما تضمنه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر المتقدم آنفا ولا في إصابة الإنسان عين نفسه كما حكاه
المناوي فإنه لا يقتل الصل سمه . .
ومن ذلك ما حكاه
الغساني قال نظر
سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال:
كان
محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر صديقا، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فاروقا،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان حييا،
ومعاوية حليما،
ويزيد صبورا،
وعبد الملك سائسا،
والوليد جبارا، وأنا الملك الشاب، وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات .
ومثل ذلك ما قيل إنه من باب التأثير في القوة المعروفة اليوم بالقوة الكهربائية عند الطباعيين المحدثين، فقد صح أن بعض الناس يكرر النظر إلى بعض الأشخاص من فوقه إلى قدمه فيصرعه كالمغشي عليه، وربما يقف وراءه جاعلا أصابعه حذاء نقرة رأسه ويوجه نفسه إليه حتى تضعف قواه فيغشاه نحو النوم ويتكلم إذ ذاك بما لا يتكلم به في وقت آخر، وأنا لا أزيد على القول بأنه من تأثيرات النفوس ولا أكيف ذلك فالنفس الإنسانية من أعجب مخلوقات الله عز وجل وكم طوي فيه أسرار وعجائب تتحير فيها العقول ولا ينكرها إلا مجنون أو جهول، ولا يسعني أن أنكر العين لكثرة الأحاديث الواردة فيها ومشاهدة آثارها على اختلاف الأعصار ولا أخص ذلك بالنفوس الخبيثة كما قيل فقد يكون من النفوس الزكية .
والمشهور أن الإصابة لا تكون مع كراهة الشيء وبغضه وإنما تكون مع استحسانه وإلى ذلك ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15000القشيري وكأنه يشير بذلك إلى الطعن في صحة الرواية هاهنا لأن الكفار كانوا يبغضونه عليه الصلاة والسلام فلا تتأتى لهم إصابته بالعين وفيه
[ ص: 39 ] نظر .
وحكم العائن على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أن يجتنب وينبغي للإمام حبسه ومنعه عن مخالطة الناس كفا لضرره ما أمكن ويرزقه حينئذ من بيت المال . .
هذا وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع «ليزلقونك» بفتح الياء من زلقه بمعنى أزلقه وقرأ
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16747وعيسى «ليزهقونك» بالهاء بدل اللام أي ليهلكونك
لما سمعوا الذكر أي وقت سماعهم القرآن وذلك لاشتداد بغضهم وحسدهم عند سماعه .
( ولما ) كما أشرنا إليه ظرفية متعلقة بيزلقونك ومن قال إنها حرف وجوب لوجوب ذهب إلى أن جوابها محذوف لدلالة ما قبل عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك
ويقولون لغاية حيرتهم في أمره عليه الصلاة والسلام ونهاية جهلهم بما في تضاعيف القرآن من عجائب الحكم وبدائع العلوم ولتنفير الناس عنه
إنه لمجنون وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل .