تعرج الملائكة والروح أي
جبريل عليه السلام كما ذهب إليه الجمهور أفرد بالذكر لتميزه وفضله بناء على المشهور من أنه عليه السلام أفضل الملائكة . وقيل لمجرد التشريف وإن لم يكن عليه السلام أفضلهم بناء على ما قيل من أن
إسرافيل عليه السلام أفضل منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ( الروح ) ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني
آدم لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا .
وقيل خلق هم حفظة الملائكة مطلقا كما أن الملائكة حفظة الناس وقيل ملك عظيم الحلقة يقوم وحده يوم القيامة صفا ويقوم الملائكة كلهم صفا وقال
أبو صالح خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس . وقال
قبيصة بن ذؤيب : روح الميت حين تقبض ولعله أراد الميت المؤمن وقرأ
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13548وابن مقسم وزائدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش «يعرج» بالياء التحتية
إليه قيل أي إلى عرشه تعالى وحيث يهبط منه أو أمره سبحانه وقيل هو من قبيل قول
إبراهيم عليه السلام
إني ذاهب إلى ربي [الصافات: 99] أي إلى
[ ص: 57 ] حيث أمرني عز وجل به .
وقيل المراد إلى محل بره وكرامته جل وعلا على أن الكلام على حذف مضاف وقيل إلى المكان المنتهى إليه الدال عليه السياق وفسر بمحل الملائكة عليهم السلام من السماء ومعظم السلف يعدون ذلك من المتشابه مع تنزيهه عز وجل عن المكان والجسمية واللوازم التي لا تليق بشأن الألوهية وقوله تعالى
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أي من سنينكم الظاهر تعلقه بتعرج، واليوم بمعنى الوقت والمراد به مقدار ما يقوم الناس فيه لرب العالمين إلى أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار من اليوم الآخر والذي لا نهاية له.
ويشير إلى هذا ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692137سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» .
واختلف في المراد بهذا التقدير على هذا الوجه فقيل الإشارة إلى استطالة ذلك اليوم لشدته لا أنه بهذا المقدار من العدد حقيقة وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والعرب تصف أوقات الشدة والحزن بالطول وأوقات الرخاء والفرح بالقصر ومن ذلك قول الشاعر:
من قصر الليل إذا زرتني أشكو وتشكين من الطول
وقوله:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت بالطول ليلى وإن جادت به بخلا
وقوله:
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
إلى ما لا يكاد يحصى
وفي قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر السابق
nindex.php?page=hadith&LINKID=692137«إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة»
إشارة إلى هذا وكذا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر من قوله: «يوضع للمؤمنين يومئذ كراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام ويقصر عليهم ذلك اليوم ويهون حتى يكون كيوم من أيامكم هذه» .
ولينظر على هذا القول ما حكمة التنصيص على العدد المذكور وقيل هو على ظاهره وحقيقته وإن في ذلك اليوم خمسين موطنا كل موطن ألف سنة من سني الدنيا أي حقيقة . وقيل الخمسون على حقيقتها إلا أن المعنى مقدار ما يقضي فيه من الحساب قدر ما يقضي بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة .
وأشار بعضهم إلى أن المقدار المذكور عليه مجاز عما يلزمه من كثرة ما يقع فيه من المحاسبات أو كناية فكأنه قيل في يوم يكثر فيه الحساب ويطول بحيث لو وقع من غير أسرع الحاسبين وفي الدنيا طال إلى خمسين ألف سنة وتخصيص عروج الملائكة والروح بذلك اليوم مع أن عروجهم متحقق في غيره أيضا للإشارة إلى عظم هوله وانقطاع الخلق فيه إلى الله عز وجل وانتظارهم أمره سبحانه فيهم أو للإشارة إلى عظم الهول على وجه آخر وأيا ما كان فالجملة استئناف مؤكد لما سيق له الكلام .
وقيل هو متعلق بواقع وقيل بدافع وقيل بسال إذا جعل من السيلان لا به من السؤال لأنه لم يقع فيه . والمراد باليوم على هذه الأقوال ما أريد به فيما سبق ( وتعرج الملائكة والروح ) إليه مستطرد عند وصفه عز وجل بذي المعارج وقيل هو متعلق بتعرج كما هو الظاهر إلا أن العروج في الدنيا والمعنى تعرج الملائكة والروح إلى عرشه تعالى ويقطعون في يوم من أيامكم ما يقطعه الإنسان في خمسين ألف سنة لو فرض سيره فيه .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ومنذر بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وجماعة وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا واختلف في تحديد المسافة فقيل هي من وجه الأرض إلى منتهى العرش . وقيل من قعر الأرض السابعة السفلى إلى العرش وفصل بأن
[ ص: 58 ] ثخن كل أرض خمسمائة عام وبين كل أرضين خمسمائة عام وبين الأرض العليا والسماء الدنيا خمسمائة عام وثخن كل سماء كذلك وما بين كل سماءين كذلك وما بين السماء العليا ومقعر الكرسي كذلك، ومجموع ذلك أربعة عشر ألف عام ومن مقعر الكرسي إلى العرش مسيرة ست وثلاثين ألف عام فالمجموع خمسون ألف سنة .
وفي خبر أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نحوه ولعله لا يصح وإن لم تبعد هذه السرعة من الملائكة عليهم السلام عند من وقف على سرعة حركة الأضواء وعلم أن الله عز وجل على كل شيء قدير . ومن الناس من اعتبر هذه المدة من الأرض إلى العرش عروجا وهبوطا واعتبرها كذلك من الأرض إلى مقعر السماء الدنيا في قوله سبحانه
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة [السجدة: 5] ومن يعتبر أحد الأمرين يعتبر هنا محدب السماء الدنيا والأرض وسيأتي إن شاء الله تعالى ما للمتصوفة في ذلك . وقيل الكلام بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على سبيل التمثيل والتخييل . والمراد أنها في غاية البعد والارتفاع المعنوي على بعض الأوجه في المعارج أو الحسي كما في بعض آخر .
وليس المراد التحديد وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أن تلك المدة هي مدة الدنيا منذ خلقت إلى أن تقوم الساعة إلى أنه لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي أي تعرج الملائكة إليه في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية وهذا يحتاج إلى نقل صحيح . والظاهر أنه أراد بالدنيا ما يقابل الأخرى ويشمل العرش ونحوه ويرد عليه أن ما ورد عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه جوابا لمن سأله متى خلق الله تعالى العرش يكذبه فإنه يدل على أن ما مضى من أول زمن خلقه إلى اليوم يزيد على خمسين ألف سنة بألوف ألوف سنين لا يحصيها إلا الله عز وجل ولعله أولى بالقبول مما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة .
والحق أنه لا يعلم مبدأ الخلق ولا مدة بقاء هذه البنية إلا الله عز وجل بيد أنا نعلم بتوفيق الله تعالى أن هذا العالم حادث حدوثا زمانيا وأنه ستبدل الأرض غير الأرض والسماوات وتبرز الخلائق لله تعالى الواحد القهار .