كلا ردع عن إيثار العاجلة على الآخرة كأنه قيل ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة
إذا بلغت أي النفس أو الروح الدال على سياق الكلام كما في قول
حاتم :
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
ونحو قول
العرب أرسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم يقولون أرسلت السماء نعم قد يصرح فيما هنا بالفاعل فيقال بلغت النفس
التراقي أي أعالي الصدر وهي العظام المكتنفة ثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة وأنشدوا
لدريد بن الصمة :
ورب عظيمة رافعت عنهم وقد بلغت نفوسهم التراقي
وقيل من راق
أي قال من حضر صاحبها من يرقيه وينجيه مما هو فيه من الرقية وهي ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك ومنه آيات الشفاء ولعله أريد به مطلق الطبيب أعم من أن يطب بالقول أو بالفعل وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك وأبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ما هو ظاهر فيه والاستفهام عند بعض حقيقي وقيل هو استفهام استبعاد وإنكار أي قد بلغ مبلغا لا أحد يرقيه كما يقال عند اليأس من ذا الذي يقدر أن يرقى هذا المشرف على الموت وروي
[ ص: 147 ] ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد وقيل هو من كلام ملائكة الموت أي أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي وهو العروج وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا
وسليمان التيمي والاستفهام عليه حقيقي وتعقب بأن اعتبار ملائكة الرحمة يناسب قوله تعالى بعد
فلا صدق إلخ ودفع بأن الضمير للإنسان والمراد به الجنس والاقتصار بعد ذلك على أحوال بعض الفريقين لا ينافي العموم فيما قبل ووقف
حفص رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم على من وابتدأ
راق
وأدغم الجمهور قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي : لا أدري ما وجه قراءته وكذلك قرأ
بل ران [المطففين: 14] وقال بعضهم كأنه قصد أن لا يتوهم أنها كلمة واحدة فسكت سكتة لطيفة ليشعر أنهما كلمتان وإلا فكان ينبغي أن يدغم في
من راق
فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إن النون تدغم في الراء وذلك نحو من راشد والإدغام بغنة وبغير غنة ولم يذكر الإظهار ويمكن أن يقال لعل الإظهار رأي كوفي
فعاصم شيخ
حفص يذكر أنه كان عالما بالنحو، وأما
بل ران فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في ذلك أيضا أن إظهار اللام وإدغامها مع الراء حسنان، فلعل
حفصا لما أفرط في إظهار الإظهار فيه صار كالوقف القليل واستدل بقوله تعالى
إذا بلغت التراقي على أن النفس جسم لا جوهر مجرد إذ لا يتصف بالحركة والتحيز وأجاب بعض بأن هذه النفس المسند إليها بلوغ التراقي هي النفس الحيوانية لا الروح الأمرية وهي الجوهر المجرد دون الحيوانية وآخر بأن المراد ببلوغها التراقي قرب انقطاع التعلق وهو مما يتصف به المجرد إذ لا يستدعي حركة ولا تحيزا ولا نحوهما مما يستحيل عليه .
وزعم أنه لا يمكن إرادة الحقيقة ولو كانت النفس جسما ضرورة أن بلوغها التراقي لا يتحقق إلا بعد مفارقتها القلب وحينئذ يحصل الموت ولا يقال
من راق كما هو ظاهر على الوجه الأول فيه ولا يتأنى أيضا ما يذكر بعد على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى فيه والذي عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا أن النفس وهي الروح الأمرية جسم لطيف جدا ألطف من الضوء عند القائل بجسميته والنفس الحيوانية مركب لها وهي سارية في البدن نحو سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم وسريان السيال الكهربائي عند القائل به في الأجسام والأدلة على جسميتها كثيرة وقد استوفاها الشيخ
ابن القيم في كتاب الروح وأتى فيه بالعجب ثم الظاهر أن المراد ببلوغ التراقي مشارفة الموت وقرب خروج الروح من البدن سلمت الضرورة التي في كلام ذلك الزاعم أم لم تسلم لقوله تعالى
وقيل من راق .