إنا خلقنا الإنسان من نطفة فإن الإنسان فيه معرفة معاده فلا يفترقان كيف وفي إقامة الظاهر مقام المضمر فضل التقرير والتمكين في النفس فإذا اختلفا عموما وخصوصا فاتت الملايمة ولا شك أن الحمل على
آدم عليه السلام في هذا ولا وجه له ولا نقض به على إرادة الجنس بناء على أنه لا عموم فيه ولا خصوص .
نعم دل قوله سبحانه
من نطفة على أن المراد غيره أو هو تغليب وقيل يجعل ما للأكثر للكل مجازا في الإسناد أو الطرف ورويت إرادته عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا وقال في رواية
أبي صالح عنه مرت به أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح وهو ملقى بين
مكة والطائف .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عنه أنه
خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سنة ثم من صلصال فأقام أربعين سنة فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عنه أن الحين المذكور هاهنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره .
وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عنه أنه قال إن من الحين حينا لا يدرك وتلا الآية فقال: والله ما يدري كم أتى عليه حتى خلقه الله تعالى . ورأيت لبعض المتصوفة أن هل للاستفهام الإنكاري فهو في معنى النفي أي ما أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وظاهره القول بقدم الإنسان في الزمان على معنى أنه لم يكن زمان إلا وفيه إنسان وهو القدم النوعي كما قال به من قال من الفلاسفة وهو كفر بالإجماع ووجه
[ ص: 152 ] بأنهم عنوا شيئية الثبوت لقدم الإنسان عندهم بذلك الاعتبار دون شيئية الوجود ضرورة أنه بالنسبة إليها حادث زمانا ويرشد إلى هذا قول
الشيخ محيي الدين في الباب 358 من الفتوحات المكية لو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق أعني العلم الحادث في قوله سبحانه:
كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني .
فجعل نفسه كنزا والكنز لا يكون إلا مكتنزا في شيء فلم يكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئية ثبوته هناك كان الحق مكنوزا فلما ألبس الحق الإنسان شيئية الوجود ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده وعلم أنه كان مكنوزا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به انتهى ولا يخفى أن الأشياء كلها في شيئية الثبوت قديمة لا الإنسان وحده، ولعلهم يقولون الإنسان هو كل شيء لأنه الإمام المبين وقد قال سبحانه
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين [يس: 12] والكلام في هذا المقام طويل ولا يسعنا أن نطيل بيد أنا نقول كون
هل هنا للإنكار منكر وأن دعوى صحة ذلك لإحدى الكبر والذي فهمه أجلة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الآية الإخبار الإيجابي .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا يقرأ هل أتى على الإنسان شيء من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فقال ليتها تمت .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا يتلو ذلك فقال يا ليتها تمت فعوقب في قوله هذا فأخذ عمودا من الأرض فقال يا ليتني كنت مثل هذا
أمشاج جمع مشج بفتحتين كسبب وأسباب، أو مشج بفتح فكسر ككتف وأكتاف، أو مشيج كشهيد وأشهاد ونصير وأنصار أي أخلاط جمع خلط بمعنى مختلط ممتزج، يقال: مشجت الشيء إذا خلطته ومزجته فهو مشيج وممشوج، وهو صفة لنطفة ووصف بالجمع وهي مفردة لأن المراد بها مجموع ماء الرجل والمرأة والجمع قد يقال على ما فوق الواحد أو باعتبار الأجزاء المختلفة فيهما رقة وغلظا وصفرة وبياضا وطبيعة وقوة وضعفا حتى اختص بعضها ببعض الأعضاء على ما أراده الله تعالى بحكمته فخلقه بقدرته .
وفي بعض الآثار
أن ما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل، وما كان من لحم ودم فمن ماء المرأة ، والحاصل أنه نزل الموصوف منزلة الجمع ووصف بصفة أجزائه وقيل هو مفرد جاء على أفعال كأعشار وأكياش في قولهم برمة أعشار أي متكسرة وبرد أكيش أي مغزول غزله مرتين .
واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والمشهور عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وجمهور النحاة أن أفعالا لا يكون جمعا وحكي عنه أنه ذهب إلى ذلك في العام ومعنى نطفة مختلطة عند الأكثرين نطفة اختلط وامتزج فيها الماءان، وقيل: اختلط فيها الدم والبلغم والصفراء والسوداء وقيل الأمشاج نفس الأخلاط التي هي عبارة عن هذه الأربعة فكأنه قيل من نطفة هي عبارة عن أخلاط أربعة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال: أمشاج أي ألوان أي ذات ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اختلطا ومكثا في قعر الرحم اخضرا كما يخضر الماء بالمكث، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم أنه قال: الأمشاج العروق التي في النطفة، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أي ذات عروق، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال «أمشاج» أطوار أي ذات أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة وهكذا إلى تمام الخلقة ونفخ الروح وقوله تعالى
نبتليه حال من فاعل خلقنا والمراد مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما بعد على أن الحال مقدرة أو ناقلين له من حال إلى حال ومن طور إلى طور على طريقة الاستعارة لأن المنقول يظهر في كل ظهور ظهورا آخر كظهور نتيجة الابتلاء والامتحان بعده .
وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعلى الوجهين ينحل ما قيل إن الابتلاء بالتكليف وهو يكون بعد جعله
سميعا بصيرا لا قبل فكيف يترتب عليه قوله سبحانه
فجعلناه سميعا بصيرا وقيل الكلام على التقديم والتأخير والجملة استئناف تعليلي أي فجعلناه سميعا بصيرا
[ ص: 153 ] لنبتليه وحكي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء وعسف لأن التقديم لا يقع في حال موقعه لا لفظا لأجل الفاء ولا معنى لأنه لا يتجه السؤال قبل الجعل والأوجه الأول، وهذا الجعل كالمسبب عن الابتلاء لأن المقصود من جعله كذلك أن ينظر الآيات الآفاقية والأنفسية ويسمع الأدلة السمعية فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء ورتب عليه قوله تعالى .