وقوله تعالى:
يقولون أإنا لمردودون في الحافرة حكاية لما يقوله المنكرون للبعث المكذبون بالآيات الناطقة به إثر بيان وقوعه بطريق التوكيد القسمي، وذكر مقدماته الهائلة وما يعرض عند وقوعها للقلوب والأبصار؛ أي: يقولون إذا قيل لهم: إنكم تبعثون منكرين له متعجبين منه
أإنا لمردودون بعد موتنا
في الحافرة أي: في الحالة الأولى يعنون الحياة كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره، وقيل: إنه تعالى شأنه لما أقسم على البعث وبين ذلهم وخوفهم ذكر هنا إقرارهم بالبعث وردهم إلى الحياة بعد الموت فالاستفهام لاستغراب ما شاهدوه بعد الإنكار والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لما يقولون إذ ذاك، والظاهر ما تقدم وإن القول في الدنيا وأيا ما كان فهو من قولهم: «رجع فلان في حافرته» أي طريقته التي جاء فيها فحفرها؛ أي: أثر فيها بمشيه، والقياس «المحفورة» فهي إما بمعنى ذا حفر أو الإسناد مجازي أو الكلام على الاستعارة المكنية بتشبيه القابل بالفاعل وجعل الحافرية تخييلا، وذلك نظير ما ذكروا في
عيشة راضية ويقال لكل من كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته وعليه قوله:
أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وعار
يريد أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والتصابي بعد أن شبت، معاذ الله من ذاك سفها وعارا.
ومنه المثل: النقد عند الحافرة، فقد قيل: الحافرة فيه بمعنى الحالة الأولى وهي الصفقة أي النقد حال العقد لكن نقل الميداني عن ثعلب أن معناه النقد عند السبق؛ وذلك أن الفرس إذا سبق أخذ الرهن، والحافرة الأرض التي حفرها السابق بقوائمه على أحد التأويلات، وقيل: «الحافرة» جمع الحافر بمعنى القدم أي
يقولون أإنا لمردودون أحياء نمشي على أقدامنا ونطأ بها الأرض، ولا يخفى أن أداء اللفظ هذا المعنى غير ظاهر. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: «الحافرة» القبور المحفورة، أي: لمردودون أحياء في قبورنا، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم: هي النار وهو كما ترى، وقرأ
أبو حيوة وأبو بحرية nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة: «في الحفرة» بفتح الحاء وكسر الفاء على أنه صفة مشبهة من حفر اللازم كعلم مطاوع حفر بالبناء للمجهول يقال: حفرت أسنانه فحفرت حفرا بفتحتين إذا أثر الأكال في أسنانها وتغيرت، ويرجع ذلك إلى معنى المحفورة، وقيل: هي الأرض المنتنة المتغيرة بأجساد موتاها.