وقوله سبحانه:
رفع سمكها بيان للبناء؛ أي: جعل مقدار ارتفاعها من الأرض وذهابها إلى سمت العلو مديدا رفيعا، وجوز أن يفسر السمك بالثخن؛ فالمعنى: جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو. ويقال للثخن سمك لما فيه من ارتفاع السطح الأعلى عن السطح الأسفل، وإذا لوحظ هذا الامتداد العلو للسفل قيل: له عمق، ونظير ذلك الدرج والدرك، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن ارتفاع السماء الدنيا عن الأرض خمسمائة عام، وارتفاع كل سماء عن سماء وثخن كل كذلك، والظاهر تقدير ذلك بالسير المتعارف، وأن المراد بالعدد المذكور التحديد دون التكثير ونحن مع الظاهر إلا أن يمنع عنه مانع.
فسواها أي: جعلها سواء فيما اقتضته الحكمة فلم يخل عز وجل قطعة منها عما تقتضيه الحكمة فيها، ومن ذلك تزيينها بالكواكب، وقيل: تسويتها جعلها ملساء ليس في سطحها انخفاض وارتفاع، وقيل: جعلها بسيطة متشابهة الأجزاء والشكل فليس بعضها سطحا وبعضها زاوية وبعضها خطا، وهو قول بكريتها الحقيقية وإليه ذهب كثير. وقالوا: وحكاه الإمام لما ثبت أنها محدثة مفتقرة إلى فاعل مختار فأي ضرر في الدين ينشأ من كونها كرية، وقيل: تسويتها تتميمها بما يتم به كمالها من الكواكب والمتممات والتداوير وغيرها مما بين في علم الهيئة من قولهم: «سوى أمره» أي: أصلحه أو من قولهم: استوت الفاكهة إذا نضجت، وأنت تعلم أن هذا مع بنائه على اتحاد السماوات والأفلاك غير معروف في الصدر الأول من المسلمين لعدم وروده عن صاحب المعراج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعدم ظهور الدليل عليه، والأدلة التي يذكرها الهيئة لتلك الأمور لا يخفى حالها، ولذا لم يقل بما تقتضيه مخالفوهم من أهل الهيئة اليوم والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.