هذا ومن باب الإشارة :
يا أيها الناس اتقوا ربكم أي احذروه من المخالفات والنظر إلى الأغيار والزموا عهد الأزل حين أشهدكم على أنفسكم
الذي خلقكم من نفس واحدة وهي الحقيقة المحمدية ويعبر عنها أيضا بالنفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم
وبآدم الحقيقي الذي هو الأب
لآدم ، وإلى ذلك أشار سلطان العاشقين
ابن الفارض قدس سره بقوله على لسان تلك الحقيقة :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
وخلق منها زوجها وهي الطبيعة أو النفس الحيوانية الناشئة منها ، وقد خلقت من الجهة التي تلي عالم الكون وهو الضلع الأيسر المشار إليه في الخبر ، وقد خصت بذلك لأنها أضعف من الجهة التي تلي الحق
وبث منهما رجالا كثيرا أي كاملين يميلون إلى أبيهم
ونساء ناقصين يميلون إلى أمهم
واتقوا الله الذي تساءلون به فلا تثبتوا لأنفسكم وجودا مع وجوده لأنه الذي أظهر تعيناتكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا واتقوا الأرحام أي اجتنبوا مخالفة أوليائي وعدم محبتهم فإن من وصلهم وصلته ومن قطعهم قطعته فالأرحام الحقيقية هي قرابة المبادئ العالية
إن الله كان عليكم رقيبا ناظرا إلى قلوبكم مطلعا على ما فيها فإذا رأى فيها الميل إلى السوي وسوء الظن بأهل حضرته ارتحلت مطايا أنواره منها فبقيت بلاقع تتجاوب في أرجائها البوم
وآتوا اليتامى وهم يتامى القوى الروحانية المنقطعين عن تربية الروح القدسي الذي هو أبوهم
أموالهم وهي حقوقهم من الكمالات
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب بأن تعطوا الطيب من الصفات وتذيلوه وتأخذوا بدله الخبيث منها وتتصفوا به
ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم بأن تخلطوا الحق بالباطل
إنه كان حوبا كبيرا أي حجابا عظيما
وإن خفتم ألا تقسطوا أي تعدلوا في تربية يتامى القوي
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع لتقل شهواتكم وتحفظوا فروجكم فتستعينوا بذلك على التربية لما يحصل لكم من التزكية عن الفاحشة
فإن خفتم ألا تعدلوا بين النساء فتقعوا في نحو ما هربتم منه
فواحدة تكفيكم في تحصيل غرضكم
وآتوا النساء صدقاتهن مهورهن
نحلة عطية من الله وفضلا ، وفيه إشارة إلى
التخلية عن البخل والغدر والتحلية بالوفاء والكرم ، وذلك من جملة ما يربي به القوي
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ولا تأنفوا وتتكبروا عن ذلك وهذا أيضا نوع من التربية لما فيه من
التخلية عن الكبر والأنفة والتحلية بالتواضع والشفقة ولا تؤتوا السفهاء أموالكم أي لا تودعوا الناقصين عن مراتب الكمال أسراركم وعلومكم
التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها أي غذوهم بشيء منها
واكسوهم أي حلوهم
وقولوا لهم قولا معروفا " لينقادوا إليكم ويسلموا أنفسهم بأيديهم
وابتلوا اليتامى أي اختبروهم ، ولعله إشارة إلى اختبار الناقصين من السائرين
حتى إذا بلغوا النكاح وصلحوا للإرشاد والتربية
فإن آنستم منهم رشدا أي استقامة في الطريق وعدم تلون
فادفعوا إليهم أموالهم التي يستحقونها من الأسرار التي لا تودع إلا عند الأحرار .
[ ص: 210 ] والمراد إيصاء الكمل من الشيوخ أن يخلفوا ويأذنوا بالإرشاد من يصلح لذلك من المريدين السالكين على أيديهم
ولا تأكلوها أي تنتفعوا بتلك الأموال دونهم
إسرافا وبدارا أن يكبروا بالتصدي للإرشاد فإن ذلك من أعظم أدواء النفس والسموم القاتلة
ومن كان منكم
غنيا بالله لا يلتفت إلى ضرورات الحياة أصلا
فليستعفف عما للمريد
ومن كان فقيرا لا يتحمل الضرورة
فليأكل أي فلينتفع بما للمريد
بالمعروف وهو ما كان بقدر الضرورة
فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم الله تعالى وأرواح أهل الحضرة وخذوا العهد عليهم برعاية الحقوق مع الحق والخلق
وكفى بالله حسيبا لأنه الموجود الحقيقي والمطلع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .