يوصيكم الله شروع في بيان ما أجمل في قوله عز وجل
للرجال نصيب إلخ ، « والوصية كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : أن يقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنا بوعظ من قولهم : « أرض واصية متصلة النبات » وهي في الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه ، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم ، وبالثاني : فسره في « القاموس » وعدل عن الأمر إلى الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام وطلب الحصول بسرعة .
في أولادكم أي في توريث أولادكم ، أو في شأنهم وقدر ذلك ليصح معنى الظرفية ، وقيل : في بمعنى اللام كما في خبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=913154« إن امرأة دخلت النار في هرة » أي لها كما صرح به النحاة ، والخطاب قيل : للمؤمنين وبين المتضايفين مضاف محذوف أي يوصيكم في أولاد موتاكم لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده ، وقيل : الخطاب لذوي الأولاد على معنى يوصيكم في توريثهم إذا متم وحينئذ لا حاجة إلى تقدير المضاف كما لو فسر يوصيكم بيبين لكم ، وبدأ سبحانه بالأولاد لأنهم أقرب الورثة إلى الميت وأكثرهم بقاء بعد المورث ، وسبب نزول الآية ما أشرنا إليه فيما مر . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664392كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعودني وأنا مريض فقلت كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت : للذكر مثل حظ الأنثيين في موضع التفصيل والبيان للوصية فلا محل للجملة من الإعراب; وجعلها
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء في موضع نصب على المفعولية ليوصي باعتبار كونه في معنى القول أو الفرض أو الشرع وفيه تكلف ، والمراد أنه يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان من الذكور
[ ص: 217 ] والإناث واتحدت جهة إرثهما فيضعف للذكر نصيبه كذا قيل ، والظاهر أن المراد بيان حكم اجتماع الابن والبنت على الإطلاق. ولا بد في الجملة من ضمير عائد إلى الأولاد محذوف ثقة بظهوره كما في قولهم : السمن منوان بدرهم ، والتقدير هنا للذكر منهم فتدبر ، وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه مع أن مقتضى كون الآية نزلت في المشهور لبيان المواريث ردا لما كانوا عليه من
توريث الذكور دون الإناث الاهتمام بالإناث ، وأن يقال : للأنثيين مثل حظ الذكر لأن الذكر أفضل ، ولأن ذكر المحاسن أليق بالحكيم من غيره ، ولذا قال سبحانه :
إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فقدم ذكر الإحسان وكرره دون الإساءة ، ولأن في ذلك تنبيها على أن التضعيف كاف في التفضيل فكأنه حيث كانوا يورثون الذكور دون الإناث قيل لهم : كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يحرمن عن الميراث بالكلية مع تساويهما في جهة الإرث . وإيثار اسمي الذكر والأنثى على ما ذكر أولا من الرجال والنساء للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال كالنساء ، والحكمة في أنه تعالى
جعل نصيب الإناث من المال أقل من نصيب الذكور نقصان عقلهن ودينهن كما جاء في الخبر مع أن احتياجهن إلى المال أقل لأن أزواجهن ينفقون عليهن وشهوتهن أكثر فقد يصير المال سببا لكثرة فجورهن ، ومما اشتهر :
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن
حواء عليها السلام أخذت حفنة من الحنطة وأكلت وأخذت أخرى وخبأتها ثم أخرى ودفعتها إلى
آدم عليه السلام، فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب الأمر عليها فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل، ذكره بعضهم ولم أقف على صحته .
ثم محل الإرث إن لم يقم مانع كالرق والقتل واختلاف الدين كما لا يخفى ، واستثني من العموم الميراث من النبي صلى الله عليه وسلم بناء على القول بدخوله صلى الله عليه وسلم في العمومات الواردة على لسانه عليه الصلاة والسلام المتناولة له لغة ، والدليل على الاستثناء قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=849157نحن معاشر الأنبياء لا نورث " وأخذ
الشيعة بالعموم وعدم الاستثناء وطعنوا بذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حيث لم يورث
nindex.php?page=showalam&ids=129الزهراء رضي الله تعالى عنها من تركة أبيها صلى الله تعالى عليه وسلم حتى قالت له بزعمهم : يا
ابن أبي قحافة أنت ترث أباك وأنا لا أرث أبي أي إنصاف هذا؟ وقالوا : إن الخبر لم يروه غيره وبتسليم أنه رواه غيره أيضا فهو غير متواتر بل آحاد ، ولا يجوز
تخصيص الكتاب بخبر الآحاد بدليل أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رد خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة لما كان مخصصا لقوله تعالى :
أسكنوهن فقال : كيف نترك كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بقول امرأة . فلو جاز تخصيص الكتاب بخبر الآحاد لخصص به ولم يرده ولم يجعل كونه خبر امرأة مع مخالفته للكتاب مانعا من قبوله ، وأيضا العام وهو الكتاب قطعي ، والخاص وهو خبر الآحاد ظني فيلزم ترك القطعي بالظني . وقالوا أيضا : إن مما يدل على كذب الخبر قوله تعالى :
وورث سليمان داود وقوله سبحانه حكاية عن
زكريا عليه السلام :
فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب فإن ذلك صريح في أن الأنبياء يرثون ويورثون .
والجواب أن هذا الخبر قد رواه أيضا
حذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وأبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة والعباس nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [ ص: 218 ] عن
مالك بن أوس بن الحدثان nindex.php?page=hadith&LINKID=660310أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال بمحضر من الصحابة فيهم nindex.php?page=showalam&ids=8علي والعباس nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة؟ قالوا : اللهم نعم ، ثم أقبل على nindex.php?page=showalam&ids=8علي والعباس فقال : أنشدكما بالله تعالى هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا : اللهم نعم، فالقول بأن الخبر لم يروه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله تعالى عنه لا يلتفت إليه ، وفي كتب
الشيعة ما يؤيده ، فقد روى
الكليني في « الكافي » عن
أبي البختري في الكافي عن
أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال : « إن العلماء ورثة الأنبياء وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظ وافر » وكلمة إنما مفيدة للحصر قطعا باعتراف
الشيعة فيعلم أن
الأنبياء لا يورثون غير العلم والأحاديث .
وقد ثبت أيضا بإجماع أهل السير والتواريخ وعلماء الحديث أن جماعة من المعصومين عند
الشيعة والمحفوظين عند
أهل السنة عملوا بموجبه فإن تركة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما وقعت في أيديهم لم يعطوا منها
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ولا بنيه ولا الأزواج المطهرات شيئا ولو كان الميراث جاريا في تلك التركة لشاركوهم فيها قطعا ، فإذا ثبت من مجموع ما ذكرنا التواتر فحبذا ذلك لأن
تخصيص القرآن بالخبر المتواتر جائز اتفاقا وإن لم يثبت وبقي الخبر من الآحاد فنقول : إن تخصيص القرآن بخبر الآحاد جائز على الصحيح وبجوازه قال الأئمة الأربعة ، ويدل على جوازه أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خصصوا به من غير نكير فكان إجماعا ، ومنه قوله تعالى :
وأحل لكم ما وراء ذلكم ويدخل فيه نكاح المرأة على عمتها وخالتها فخص بقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=659526« لا تنكحوا المرأة على عمتها ولا على خالتها » والشيعة أيضا قد خصصوا عمومات كثيرة من القرآن بخبر الآحاد فإنهم لا يورثون الزوجة من العقار ويخصون أكبر أبناء الميت من تركته بالسيف والمصحف والخاتم واللباس بدون بدل كما أشرنا إليه فيما مر ، ويستندون في ذلك إلى آحاد تفردوا بروايتها مع أن عموم الآيات على خلاف ذلك ، والاحتجاج على عدم جواز التخصيص بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه مجاب عنه بأن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إنما رد خبر
ابنة قيس لتردده في صدقها وكذبها ، ولذلك قال بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت ، فعلل الرد بالتردد في صدقها وكذبها لا بكونه خبر واحد، وكون التخصيص يلزم منه ترك القطعي بالظني مردود بأن التخصيص وقع في الدلالة لأنه دفع للدلالة في بعض الموارد فلم يلزم ترك القطعي بالظني بل هو ترك للظني بالظني وما زعموه من دلالة الآيتين اللتين ذكروهما على كذب الخبر في غاية الوهن لأن الوراثة فيهما وراثة العلم والنبوة والكمالات النفسانية لا وراثة العروض والأموال ، ومما يدل على أن الوراثة في الآية الأولى منهما كذلك ما رواه
الكليني عن
أبي عبد الله أن
سليمان ورث
داود وأن
محمدا ورث
سليمان فإن وراثة المال بين نبينا صلى الله عليه وسلم
وسليمان عليه السلام غير متصورة بوجه ، وأيضا إن
داود عليه السلام على ما ذكره أهل التاريخ كان له تسعة عشر ابنا وكلهم كانوا ورثة بالمعنى الذي يزعمه الخصم فلا معنى لتخصيص بعضهم بالذكر دون بعض في وراثة المال لاشتراكهم فيها من غير خصوصية
لسليمان عليه السلام بها بخلاف وراثة العلم والنبوة .
وأيضا توصيف
سليمان عليه السلام بتلك الوراثة مما لا يوجب كمالا ولا يستدعي امتيازا لأن البر والفاجر
[ ص: 219 ] يرث أباه فأي داع لذكر هذه الوراثة العامة في بيان فضائل هذا النبي ومناقبه عليه السلام ، ومما يدل على أن الوراثة في الآية الثانية كذلك أيضا أنه لو كان المراد بالوراثة فيها وراثة المال كان الكلام أشبه شيء بالسفسطة لأن المراد بآل
يعقوب حينئذ إن كان نفسه الشريفة يلزم أن مال
يعقوب عليه السلام كان باقيا غير مقسوم إلى عهد
زكريا وبينهما نحو من ألفي سنة وهو كما ترى ، وإن كان المراد جميع أولاده يلزم أن يكون
يحيى وارثا جميع بني إسرائيل أحياء وأمواتا ، وهذا أفحش من الأول ، وإن كان المراد بعض الأولاد ، أو أريد من
يعقوب غير المتبادر وهو ابن
إسحاق عليهما السلام يقال : أي فائدة في وصف هذا الولي عند طلبه من الله تعالى بأنه يرث أباه ويرث بعض ذوي قرابته ، والابن وارث الأب ومن يقرب منه في جميع الشرائع مع أن هذه الوراثة تفهم من لفظ الولي بلا تكلف وليس المقام مقام تأكيد ، وأيضا ليس في الأنظار العالية وهمم النفوس القدسية التي انقطعت من تعلقات هذا العالم الفاني واتصلت بحضائر القدس الحقاني ميل للمتاع الدنيوي قدر جناح بعوضة حتى يسأل حضرة
زكريا عليه السلام ولدا ينتهي إليه ماله ويصل إلى يده متاعه ، ويظهر لفوات ذلك الحزن والخوف ، فإن ذلك يقتضي صريحا كمال المحبة وتعلق القلب بالدنيا وما فيها ، وذلك بعيد عن ساحته العلية وهمته القدسية ، وأيضا لا معنى لخوف
زكريا عليه السلام من صرف بني أعمامه ماله بعد موته، أما إن كان الصرف في طاعة فظاهر ، وأما إن كان في معصية فلأن
الرجل إذا مات وانتقل المال إلى الوارث وصرفه في المعاصي لا مؤاخذة على الميت ولا عتاب على أن دفع هذا الخوف كان متيسرا له بأن يصرفه ويتصدق به في سبيل الله تعالى قبل وفاته ويترك ورثته على أنقى من الراحة واحتمال موت الفجأة .
وعدم التمكن من ذلك لا ينتهض عند
الشيعة لأن الأنبياء عندهم يعلمون وقت موتهم فما مراد ذلك النبي عليه السلام بالوراثة إلا وراثة الكمالات النفسانية والعلم والنبوة المرشحة لمنصب الحبورة فإنه عليه السلام خشي من أشرار بني إسرائيل أن يحرفوا الأحكام الإلهية والشرائع الربانية ولا يحفظوا علمه ولا يعملوا به ويكون ذلك سببا للفساد العظيم ، فطلب الولد ليجري أحكام الله تعالى بعده ويروج الشريعة ويكون محط رحال النبوة وذلك موجب لتضاعيف الأجر واتصال الثواب ، والرغبة في مثله من شأن ذوي النفوس القدسية والقلوب الطاهرة الزكية ، فإن قيل : الوراثة في وراثة العلم مجاز وفي وراثة المال حقيقة ، وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز لا يجوز بلا ضرورة ، فما الضرورة هنا؟ أجيب بأن الضرورة هنا حفظ كلام المعصوم من التكذيب ، وأيضا لا نسلم كون الوراثة حقيقة في المال فقط بل صار لغلبة الاستعمال في العرف مختصا بالمال ، وفي أصل الوضع إطلاقه على وراثة العلم والمال والمنصب صحيح ، وهذا الإطلاق هو حقيقته اللغوية سلمنا أنه مجاز ولكن هذا المجاز متعارف ومشهور بحيث يساوي الحقيقة خصوصا في استعمال القرآن المجيد ، ومن ذلك قوله تعالى :
ثم أورثنا الكتاب و ( أرثوا الكتاب ) إلى غير ما آية .
ومن
الشيعة من أورد هنا بحثا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يورث أحدا فلم أعطيت أزواجه الطاهرات حجراتهن؟ والجواب أن ذلك مغلطة لأن إفراز الحجرات للأزواج إنما كان لأجل كونها مملوكة لهن لا من جهة الميراث بل لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بنى كل حجرة لواحدة منهن فصارت الهبة مع القبض متحققة وهي موجبة للملك وقد بنى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثل ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=129لفاطمة رضي الله تعالى عنها
وأسامة وسلمه إليهما; وكان كل من بيده شيء مما بناه له رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه
[ ص: 220 ] تصرف المالك على عهده عليه الصلاة والسلام ، ويدل على ما ذكر ما ثبت بإجماع
أهل السنة والشيعة أن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رضي الله تعالى عنه لما حضرته الوفاة استأذن من
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها وسألها أن تعطيه موضعا للدفن جوار جده المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه إن لم تكن الحجرة ملك أم المؤمنين لم يكن للاستئذان والسؤال معنى، وفي القرآن نوع إشارة إلى كون الأزواج المطهرات مالكات لتلك الحجر حيث قال سبحانه :
وقرن في بيوتكن فأضاف البيوت إليهن ولم يقل في بيوت الرسول .
ومن
أهل السنة من أجاب عن أصل البحث بأن المال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صار في حكم الوقف على جميع المسلمين فيجوز لخليفة الوقت أن يخص من شاء بما شاء كما خص
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق جناب الأمير رضي الله تعالى عنهما بسيف ودرع وبغلة شهباء تسمى الدلدل أن الأمير كرم الله تعالى وجهه لم يرث النبي صلى الله عليه وسلم بوجه ، وقد صح أيضا أن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق أعطى
الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة بعضا من متروكاته صلى الله عليه وسلم وإنما لم يعط رضي الله تعالى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة صلى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم فدكا مع أنها طلبتها إرثا وانحرف مزاج رضاها رضي الله تعالى عنها بالمنع إجماعا وعدلت عن ذلك إلى دعوى الهبة ، وأتت
بعلي والحسنين وأم أيمن للشهادة فلم تقم على ساق بزعم
الشيعة ، ولم تمكن لمصلحة دينية ودنيوية رآهما الخليفة إذ ذاك كما ذكره
الأسلمي في « الترجمة العبقرية والصولة الحيدرية » وأطال فيه .
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر رضي الله تعالى عنه خص آية المواريث بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخبره عليه الصلاة والسلام في حق من سمعه منه بلا واسطة مفيد للعلم اليقيني بلا شبهة والعمل بسماعه واجب عليه سواء سمعه غيره أو لم يسمع ، وقد أجمع أهل الأصول من
أهل السنة والشيعة على أن تقسيم الخبر إلى المتواتر وغيره بالنسبة إلى من لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وسمعوا خبره بواسطة الرواة لا في حق من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه بلا واسطة ، فخبر
nindex.php?page=hadith&LINKID=849157« نحن معاشر الأنبياء لا نورث » عند
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر قطعي لأنه في حقه كالمتواتر بل أعلى كعبا منه ، والقطعي يخصص القطعي اتفاقا ، ولا تعارض بين هذا الخبر والآيات التي فيها نسبة الوراثة إلى الأنبياء عليهم السلام لما علمت ، ودعوى
nindex.php?page=showalam&ids=129الزهراء رضي الله تعالى عنها فدكا بحسب الوراثة لا تدل على كذب الخبر بل على عدم سماعه وهو غير مخل بقدرها ورفعة شأنها ومزيد علمها ، وكذا أخذ الأزواج المطهرات حجراتهن لا يدل على ذلك لما مر وحلا ، وعدولها إلى دعوى الهبة غير متحقق عندنا بل المتحقق دعوى الإرث ، ولئن سلمنا أنه وقع منها دعوى الهبة فلا نسلم أنها أتت بأولئك الأطهار شهودا ، وذلك لأن المجمع عليه أن الهبة لا تتم إلا بالقبض ولم تكن فدك في قبضة
nindex.php?page=showalam&ids=129الزهراء رضي الله تعالى عنها في وقت فلم تكن الحاجة ماسة لطلب الشهود ، ولئن سلمنا أن أولئك الأطهار شهدوا فلا نسلم أن الصديق رد شهادتهم بل لم يقض بها ، وفرق بين عدم القضاء هنا والرد ، فإن الثاني عبارة عن عدم القبول لتهمة كذب مثلا ، والأول عبارة عن عدم الإمضاء لفقد بعض الشروط المعتبر بعد العدالة ، وانحراف مزاج رضا
nindex.php?page=showalam&ids=129الزهراء كان من مقتضيات البشرية ، وقد غضب
موسى عليه السلام على أخيه الأكبر
هارون حتى أخذ بلحيته ورأسه ولم ينقص ذلك من قدريهما شيئا على أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر استرضاها رضي الله تعالى عنها مستشفعا إليها
بعلي كرم الله تعالى وجهه فرضيت عنه كما في « مدارج النبوة » و « كتاب الوفاء » و « شرح المشكاة »
للدهلوي وغيرها ، وفي « محاج السالكين » وغيره من كتب
الإمامية المعتبرة ما يؤيد هذا الفصل حيث رووا أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر لما رأى
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة رضي الله تعالى عنها انقبضت عنه وهجرته ولم تتكلم بعد ذلك في أمر فدك كبر ذلك عنده فأراد استرضاءها فأتاها فقال : صدقت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
[ ص: 221 ] ادعيت ولكن رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يؤتي منها قوتكم فما أنتم صانعون بها؟ فقالت : أفعل فيها كما كان أبي صلى الله تعالى عليه وسلم يفعل فيها فقال لك الله تعالى أن أفعل فيها ما كان يفعل أبوك ، فقالت : والله لتفعلن؟ فقال : والله لأفعلن ذلك فقالت : اللهم اشهد ورضيت بذلك ، وأخذت العهد عليه فكان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي بين الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وبقي الكلام في سبب عدم تمكينها رضي الله تعالى عنها من التصرف فيها ، وقد كان دفع الالتباس وسد باب الطلب المنجر إلى كسر كثير من القلوب ، أو تضييق الأمر على المسلمين . وقد ورد « المؤمن إذا ابتلي ببليتين اختار أهونهما » على أن رضا
nindex.php?page=showalam&ids=129الزهراء رضي الله تعالى عنها بعد على
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق سد باب الطعن عليه أصاب في المنع أم لم يصب ، وسبحان الموفق للصواب والعاصم أنبياءه عن الخطأ في فصل الخطاب .
فإن كن نساء الضمير للأولاد مطلقا والخبر مفيد بلا تأويل ، ولزوم تغليب الإناث على الذكور لا يضر لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له ، ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات التي في ضمن مطلق الأولاد ، والمعنى فإن كانت المولودات أو البنات نساء خلصا ليس معهن ذكر ، وبهذا يفيد الحمل وإلا لاتحد الاسم والخبر فلا يفيد على أن قوله تعالى :
فوق اثنتين إذا جعل صفة لنساء فهو محل الفائدة ، وأوجب ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان فلم يجز ما أجازه غير واحد من كونه خبرا ثانيا ظنا منه عدم إفادة الحمل حينئذ وهو من بعض الظن كما علمت ، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن تكون كان تامة ، والضمير مبهم مفسر بالمنصوب على أنه تمييز ولم يرتضه النحاة لأن كان ليست من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرا يفسره ما بعده لاختصاصه بباب نعم ، والتنازع كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية ، وفائدة ذكر ذلك التصريح بعدم اختصاص المراد بعدد دون عدد أي فإن كن نساء زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن .
فلهن ثلثا ما ترك أي المتوفى منكم وأضمر لدلالة الكلام عليه ، ومثله شائع سائغ
وإن كانت أي المولودة المفهومة من الكلام
واحدة أي امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع وأهل
المدينة ( واحدة ) بالرفع على أن كان تامة والمرفوع فاعل لها ، ورجحت قراءة النصب بأنها أوفق بما قبل ، وقال
ابن تمجيد : القراءة بالرفع أولى وأنسب للنظم لتفكك النظم في قراءة النصب بحسب الظاهر ، فإنه إن كان ضمير كان راجعا إلى الأولاد فسد المعنى كما هو ظاهر ، وإن كان راجعا إلى المولودة كما قالوه يلزم الإضمار قبل الذكر ، وكلا الأمرين مرتفع على قراءة الرفع إذ المعنى وإن وجدت بنت واحدة من تلك الأولاد ، والمحققون لا ينكرون مثل هذا الإضمار كما علمت آنفا
فلها النصف أي ( مما ترك ) وترك اكتفاء بالأول والنصف مثلث كما في « القاموس » أحد شقي الشيء ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ( النصف ) بضم النون وهي لغة أهل
الحجاز ، وذكر أنها أقيس لأنك تقول : الثلث والربع والخمس وهكذا، وكلها مضمومة الأوائل .
وأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بظاهر الآية فجعل الثلثين لما زاد على البنتين كالثلاث فأكثر ، وجعل نصيب الاثنتين النصف كنصيب الواحدة ، وجمهور الصحابة والأئمة
والإمامية على خلافه حيث حكموا بأن للاثنتين وما فوقهما الثلثين ، وأن النصف إنما هو للواحدة فقط ، ووجه ذلك على ما قاله
القطب أنه لما تبين أن للذكر مع الأنثى ثلثين إذ للذكر مثل حظ الأنثيين فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة وإلا لم يكن
[ ص: 222 ] للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الثلثين ليس بحظ لهما أصلا لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع إذ ما من صورة يجتمع فيها الاثنتان مع الذكر ويكون لهما الثلثان فتعين أن تكون صورة الانفراد ، وإلى هذا أشار السيد
السند في « شرح السراجية » ، وأورد أن الاستدلال دوري لأن معرفة أن للذكر الثلثين في الصورة المذكورة موقوفة على معرفة حظ الأنثيين لأنه ما علم من الآية إلا أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، فلو كانت معرفة حظ الأنثيين مستخرجة من حظ الذكر لزم الدور ، وأجيب بأن المستخرج هو الحظ المعين للأنثيين وهو الثلثان ، والذي يتوقف عليه معرفة حظ الذكر هو معرفة حظ الأنثيين مطلقا فلا دور ، ولما في هذا الوجه من التكلف عدل عنه بعض المحققين ، وذكر أن حكم البنتين مفهوم من النص بطريق الدلالة أو الإشارة ، وذلك لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله تعالى عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679224جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما يوم أحد وأن عمهما أخذ مالهما ولم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : « يقضي الله تعالى في ذلك فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : أعط لابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك » فدل ذلك على أن انفهام الحكم من النص بأحد الطريقين لأنه حكم به بعد نزول الآية ، ووجهه أن البنتين لما استحقتا مع الذكر النصف علم أنهما إذا انفردا عنه استحقتا أكثر من ذلك لأن الواحدة إذا انفردت أخذت النصف بعد ما كانت معه تأخذ الثلث ولا بد أن يكون نصيبهما كما يأخذه الذكر في الجملة وهو الثلثان لأنه يأخذه مع البنت فيكون قوله سبحانه :
فإن كن نساء إلخ بيانا لحظ الواحدة ، وما فوق الثنتين بعد ما بين حظهما ولذا فرعه عليه إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الفاء موقعها ، وهذا مما لا غبار عليه ، وقيل : إن حكم البنتين ثبت بالقياس على البنت مع أخيها أو على الأختين . أما الأول : فلأنها لما استحقت البنت الثلث مع الأخ فمع البنت بالطريق الأولى ، وأما الثاني : فلأنه ذكر حكم الواحدة والثلاث فما فوقها من البنات ولم يذكر حكم البنتين ، وذكر في
ميراث الأخوات حكم الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر حكم الأخوات الكثيرة فيعلم حكم البنتين من ميراث الأخوات وحكم الأخوات من ميراث البنات لأنه لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بهما ، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزيد على الثلثين فبالأولى أن لا يزداد نصيب الأخوات على ذلك ، وقد ذهب إلى هذا غير واحد من المتأخرين ، وجعله العلامة
ناصر الدين مؤيدا ولم يجعله دليلا للاستغناء عنه بما تقدم ، ولأنه قيل : إن القياس لا يجري في الفرائض والمقادير ، ونظر بعضهم في الأول بأن البنت الواحدة لم تستحق الثلث مع الأخ بل تستحق نصف حظه وكونه ثلثا على سبيل الاتفاق ولا يخفى ضعفه ، وقيل : يمكن أن يقال : ألحق البنتان بالجماعة لأن وصف النساء يفوق اثنتين للتنبيه على عدم التفاوت بين عدد وعدد ، والبنتان تشارك الجماعة في التعدد ، وقد علم عدم تأثير القلة والكثرة ، فالظاهر إلحاقهما بالجماعة بجامع التعدد ، وعدم اعتبار القلة والكثرة دون الواحدة لعدم الجامع بينهما .
وقيل : إن معنى الآية فإن كن نساء اثنتين فما فوقهما إلا أنه قدم ذكر الفوق على الاثنتين كما روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31415« لا تسافر المرأة سفرا فوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها ».
فإن معناه لا تسافر سفرا ثلاثة أيام فما فوقها ، وإلى ذلك ذهب من قال : إن أقل الجمع اثنان ، واعترض على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 223 ] رضي الله تعالى عنه بأنه لو استفيد من قوله سبحانه
فوق اثنتين أن حال الاثنتين ليس حال الجماعة بناء على مفهوم الصفة فهو معارض بأنه يستفاد من واحدة أن حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم العدد، وقد قيل به، ،وأجيب بالفرق بينهما فإن النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكد به صار محكما في التخصيص بخلاف
وإن كانت واحدة وأورد عليه بأن هذا إنما يتم على تقدير كون الظرف صفة مؤكدة لا خبرا بعد خبر ، وأجيب بأن قوله سبحانه : ( نساء ) ظاهر في كونها فوق اثنتين فعدم الاكتفاء به والإتيان بخبر بعده يدل دلالة صريحة على أن الحكم مقيد به لا يتجاوزه ، وأيضا مما ينصر الحبر أن الدليلين لما تعارضا دار أمر البنتين بين الثلثين والنصف ، والمتيقن هو النصف ، والزائد مشكوك غير ثابت ، فتعين المصير إليه ، ولا يخفى أن الحديث الصحيح الذي سلف يهدم أمر التمسك بمثل هذه العرى ، ولعله لم يبلغه رضي الله تعالى عنه ذلك كما قيل فقال ما قال ، وفي « شرح الينبوع » نقلا عن الشريف
شمس الدين الأرموني أنه قال في « شرح فرائض الوسيط » : صح رجوع
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن ذلك فصار إجماعا; وعليه فيحتمل أنه بلغه الحديث ، أو أنه أمعن النظر في الآية ففهم منها ما عليه الجمهور فرجع إلى وفاقهم . وحكاية
النظام عنه رضي الله تعالى عنه في كتاب « النكت » أنه قال : للبنتين نصف وقيراط لأن للواحدة النصف ولما فوق الاثنتين الثلثين فينبغي أن يكون للبنتين ما بينهما مما لا تكاد تصح، فافهم .
ولأبويه أي الميت ذكرا كان أو أنثى غير النظم الكريم لعدم اختصاص حكمه بما قبله من الصور بل هو في الحقيقة شروع في
إرث الأصول بعد ذكر إرث الفروع ، والمراد من الأبوين الأب والأم تغليبا للفظ الأب ، ولا يجوز أن يقال في ابن وبنت ابنان للإيهام فإن لم يوهم جاز ذلك كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج لكل واحد منهما بدل من
ولأبويه بتكرير العامل ، وسط بين المبتدأ وهو قوله تعالى :
منهما السدس والخبر ، وهو لأبويه وزعم
ابن المنير « أن في إعرابه بدلا نظرا ، وذلك أنه يكون على هذا التقدير من بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة ، ويكون أصل الكلام: والسدس لأبويه لكل واحد منهما ومقتضى الاقتصار على المبدل منه التشريك بينهما في السدس كما قال سبحانه :
فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فاقتضى اشتراكهن فيه ، ومقتضى البدل لو قدر إهدار الأول إفراد كل واحد منهما بالسدس وعدم التشريك ، وهذا يناقض حقيقة هذا النوع من البدل إذ يلزم فيه أن يكون مؤدى المبدل منه والبدل واحدا ، وإنما فائدته التأكيد بمجموع الاسمين لا غير بلا زيادة معنى فإذا تحقق ما بينهما من التباين تعذرت البدلية المذكورة وليس من بدل التقسيم أيضا على هذا الإعراب ، وإلا لزم زيادة معنى في البدل ، فالوجه أن يقدر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ولأبويه الثلث ثم لما ذكر نصيبهما مجملا فصله بقوله :
لكل واحد منهما السدس وساغ حذف المبتدأ لدلالة التفصيل عليه ضرورة إذ يلزم من استحقاق كل واحد منهما السدس استحقاقهما معا للثلث » ، ورده
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان « بأن هذا بدل بعض من كل ولذلك أتى بالضمير ، ولا يتوهم أنه بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة لجواز أبواك يصنعان كذا ، وامتناع أبواك كل واحد منهما يصنعان كذا ، بل تقول : يصنع كذا » إلا أنه اعترض على جعل لأبويه خبر المبتدأ بأن البدل هو الذي يكون خبر المبتدأ في أمثال ذلك دون المبدل منه كما في المثال ، وتعقبه
nindex.php?page=showalam&ids=14158الحلبي بأن في هذه المناقشة نظرا لأنه إذا قيل لك : ما محل لأبويه من الإعراب؟ تضطر إلى أن تقول : إنه في محل رفع على أنه خبر مقدم ،
[ ص: 224 ] ولكنه نقل نسبة الخبرية إلى كل واحد منهما دون لأبويه واختير هذا التركيب دون أن يقال : ولكل واحد من أبويه السدس لما في الأول من الإجمال ، والتفصيل الذي هو أوقع في الذهن دون الثاني ، ودون أن يقال : لأبويه السدسان للتنصيص على تساوي الأبوين في الأول وعدم التنصيص على ذلك في الثاني لاحتماله التفاضل ، وكونه خلاف الظاهر لا يضر لأنه يكفي نكتة للعدول .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ونعيم بن ميسرة ( السدس ) بالتخفيف وكذلك الثلث والربع والثمن .
مما ترك متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن في الظرف الراجع إلى المبتدأ ، والعامل الاستقرار أي كائنا مما ترك المتوفى
إن كان له ولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر ، وولد الابن كذلك ، ثم إن كان الولد ذكرا كان الباقي له وإن كانوا ذكورا فالباقي لهم بالسوية ، وإن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانت بنتا فلها النصف ولأحد الأبوين السدس ، أو لهما السدسان والباقي يعود للأب إن كان، لكن بطريق العصوبة وتعدد الجهات منزل منزلة تعدد الذوات ، وإن كان هناك أم وبنت فقط فالباقي بعد فرض الأم والبنت يرد عليهما ، وزعمت
الإمامية في صورة أبوين أو أب أو أم وبنت أن الباقي بعد أخذ كل فرضه يرد على البنت وعلى أحد الأبوين أو عليهما بقدر سهامهم .
فإن لم يكن له ولد ولا ولد ابن
وورثه أبواه فقط وهو مأخوذ من التخصيص الذكري كما تدل عليه الفحوى
فلأمه الثلث مما ترك والباقي للأب وإنما لم يذكر لعدم الحاجة إليه لأنه لما فرض انحصار الوارث في أبويه ، وعين نصيب الأم علم أن الباقي للأب وهو مما أجمع عليه المسلمون ، وقيل : إنما لم يذكر لأن المقصود تغيير السهم ، وفي هذه الصورة لم يتغير إلا سهم الأم وسهم الأب بحاله ، وإنما يأخذ الباقي بعد سهمه وسهم الأم بالعصوبة، فليس المقام مقام حصة الأب وفيه تأمل لأن الظاهر أن أخذ الأب الباقي بعد فرض الأم بطريق العصوبة وبه صرح الفرضيون ، وتخصيص جانب الأم بالذكر وإحالة جانب الأب على دلالة الحال مع حصول البيان بالعكس أيضا لذلك ، ولما أن حظها أخصر واستحقاقه أتم وأوفر هذا إذا لم يكن معهما أحد الزوجين أما إذا كان معهما ذلك وتسمى المسألتان بالغراوين وبالغريبتين وبالعمريتين ، فللأم ثلث ما بقي بعد فرض أحدهما عند جمهور الصحابة والفقهاء لا ثلث الكل خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس رضي الله تعالى عنهما مستدلا بأنه تعالى جعل لها أولا سدس التركة مع الولد بقوله سبحانه :
ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ثم ذكر أن لها مع عدمه الثلث بقوله عز وجل :
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فيفهم منه أن المراد ثلث أصل التركة أيضا .
ويؤيده أن السهام المقدرة كلها بالنسبة إلى أصلها بعد الوصية والدين ، وإلى ذلك ذهبت
الإمامية وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13719أبو بكر الأصم يقول : بأن لها مع الزوج ثلث ما يبقى من فرضه ومع الزوجة ثلث الأصل ، ونسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين لأنه لو جعل لها مع الزوج ثلث جميع المال لزم زيادة نصيبها على نصيب الأب لأن المسألة حينئذ من ستة لاجتماع النصف والثلث فللزوج ثلاثة وللأم اثنان على ذلك التقدير فيبقى للأب واحد ، وفي ذلك
تفضيل الأنثى على الذكر ، وإذا جعل لها ثلث ما بقي من فرض الزوج كان لها واحد وللأب اثنان ولو جعل لها مع الزوجة ثلث الأصل لم يلزم ذلك التفضيل لأن المسألة من اثني عشر لاجتماع الثلث والربع ، فإذا أخذت الأم أربعة بقي للأب خمسة فلا تفضيل لها عليه ، ورجح مذهب الجمهور على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بخلوه عن الإفضاء
[ ص: 225 ] إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب بل الأقوى منها في الإرث بدليل إضعافه عليها عند انفرادهما عن أحد الزوجين ، وكونه صاحب فرض وعصبة وذلك خلاف وضع الشرع ، وهذا الإفضاء ظاهر في المسألة الأولى ، وبذلك علل
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت حكمه فيها مخالفا
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة قال : أرسلني
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ، فقال
زيد : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وللأب بقية المال، فأرسل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أفي كتاب الله تعالى تجد هذا؟ قال : لا ولكن أكره أن أفضل أما على أب ، ولا يخفى أن هذا لا ينتهض مرجحا لمذهب الجمهور على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13720الأصم ، ومن هنا قال السيد
السند وغيره في نصرة مذهبهم عادلين عن المسلك الذي سلكناه : إن معنى قوله تعالى :
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث هو أن لها ثلث ما ورثاه سواء كان جميع المال أو بعضه ، وذلك لأنه لو أريد ثلث الأصل لكفى في البيان فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث كما قال تعالى في حق البنات :
وإن كانت واحدة فلها النصف بعد قوله سبحانه :
فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فيلزم أن يكون قوله تعالى :
وورثه أبواه خاليا عن الفائدة ، فإن قيل : نحمله على أن الوراثة لهما فقط قلنا : ليس في العبارة دلالة على حصر الإرث فيهما وإن سلم فلا دلالة في الآية حينئذ على صورة النزاع لا نفيا ولا إثباتا ، فيرجع فيهما إلى أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع لأن السبب في وراثة الذكر والأنثى واحد وكل منهما يتصل بالميت بلا واسطة فيجعل ما بقي من فرض أحد الزوجين بينهما أثلاثا كما في حق الابن والبنت وكما في حق الأبوين إذا انفردا بالإرث، فلا يزيد نصيب الأم على نصف نصيب الأب كما يقتضيه القياس، فلا مجال لما ذهب إليه الأصم أيضا على هذا ، وليته سمع ذلك فليفهم .
وقد اختلفوا أيضا في حظ الأم فيما إذا كان مكان الأب جد وباقي المسألة على حالها ، فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وإحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، وروى ذلك أهل الكوفة عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في صورة الزوج وحده إن للأم ثلث جميع المال ، وقول
أبي يوسف وهو الرواية الأخرى عن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله تعالى عنه : إن لها ثلث الباقي كما مع الأب فعلى هذه الرواية جعل الجد كالأب فيعصب الأم كما يعصبها الأب ، والوجه على الرواية الأولى على ما ذكره الفرضيون هو أنه ترك ظاهر قوله تعالى :
فلأمه الثلث في حق الأب ، وأول بما مر لئلا يلزم تفضيلها عليه مع تساويهما في القرب في الرتبة ، وأيد التأويل بقول أكثر الصحابة ، وأما في حق الجد فأجري على ظاهره لعدم التساوي في القرب وقوة الاختلاف فيما بين الصحابة، ولا استحالة في تفضيل الأنثى على الذكر مع التفاوت في الدرجة كما إذا ترك امرأة وأختا لأم وأب وأخا للأب، فإن للمرأة الربع وللأخت النصف وللأخ لأب الباقي ، فقد فضلت ههنا الأنثى لزيادة قربها على الذكر ، وأيضا للأم حقيقة الولاد كما للأب فيعصبها والجد له حكم الولاد لا حقيقته فلا يعصبها إذ لا تعصيب مع الاختلاف في السبب بل مع الاتفاق فيه .
فإن كان له إخوة فلأمه السدس الجمهور على أن المراد بالإخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث سواء كانوا من الإخوة أو الأخوات ، وسواء كانوا من جهة الأبوين أو من جهة أحدهما . وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في ذلك فإنه جعل الثلاثة من الإخوة والأخوات حاجبة للأم دون الاثنين فلها معهما الثلث عنده بناء على أن الإخوة صيغة الجمع فلا يتناول المثنى ، وبهذا حاج
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في « سننه » عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه دخل على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فقال : إن الأخوين
[ ص: 226 ] لا يردان الأم عن الثلث وتلا الآية ، ثم قال : والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس ، وقال الجمهور : إن حكم الاثنين في باب الميراث حكم الجماعة ، ألا يرى أن البنتين كالبنات ، والأختين كالأخوات في استحقاق الثلثين فكذا في الحجب; وأيضا معنى الجمع المطلق مشترك بين الاثنين وما فوقهما ، وهذا المقام يناسب الدلالة على الجمع المطلق فدل بلفظ الإخوة عليه بل قال جمع: إن صيغة الجمع حقيقة في الاثنين كما فيما فوقهما في كلام العرب ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في « سننه » عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت أنه كان يحجب الأم بالأخوين فقالوا له : يا
أبا سعيد إن الله تعالى يقول :
فإن كان له إخوة وأنت تحجبها بأخوين فقال : إن العرب تسمي الأخوين إخوة ، وهذا يعارض الخبر السابق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فإنه صريح في أن صيغة الجمع لا تقال على اثنين في لغة العرب ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان رضي الله تعالى عنه سلم ذلك إلا أنه احتج بأن إطلاق الإخوة على الأعم كان إجماعا . ومن هنا اختلف الناس في مدلول صيغة الجمع حقيقة ، وصرح بعض الأصوليين أنها في الاثنين في المواريث والوصايا ملحقة بالحقيقة ، والنحاة على خلاف ذلك ، وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا في توريث الأم السدس مع الإناث الخلص لأن الإخوة جمع أخ فلا يشمل الأخت إلا بطريق التغليب ، والخلص لا ذكور معهم فيغلبون وهو كلام متين إلا أن العمل على اختلافه اعتبارا لوصف الإخوة في الآية للإجماع على ذلك قبل ظهور خلاف ابن عباس، وخرق الإجماع إنما يحرم على من لم يكن موجودا عنده .
وذهب
الزيدية والإمامية إلى أن الإخوة لأم لا يحجبونها بخلاف غيرهم فإن الحجب ههنا بمعنى معقول كما يشير إليه كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، وهو أنه إن كان هناك إخوة لأب وأم أو لأب فقد كثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق ، وهذا المعنى لا يوجد فيما إذا كان الإخوة لأم إذ ليس نفقتهم على الأب ، والجمهور ذهبوا إلى عدم الفرق لأن الاسم حقيقة في الأصناف الثلاثة ، وهذا حكم غير معقول المعنى ثبت بالنص ، ألا يرى أنهم يحجبون الأم بعد موت الأب ولا نفقة عليه بعد موته ويحجبونها كبارا أيضا وليست عليه نفقتهم ، ثم الشائع المعلوم من خارج أو من الآية في رأي أن الإخوة يحجبون الأم حجب نقصان ، وإن كانوا محجوبين بالأب حجب حرمان ، ويعود السدس الذي حجبوها عنه للأب وهو مذهب جمهور الصحابة أيضا ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه للإخوة لأنهم إنما حجبوها عنه ليأخذوه فإن غير الوارث لا يحجب كما إذا كانت الإخوة كفارا أو أرقاء ، وقد يستدل عليه بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس مرسلا
أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الإخوة السدس مع الأبوين .
وللجمهور كما قال
الشريف إن صدر الكلام يدل على أن لأمه الثلث والباقي للأب فكذا الحال في آخره كأنه قيل : فإن كان له إخوة وورثه أبواه فلأمه السدس ولأبيه الباقي ، ثم إن شرط الحاجب أن يكون وارثا في حق من يحجبه ، والأخ المسلم وارث في حق الأم بخلاف الرقيق والكافر ، فالإخوة يحجبونها وهم يحجبون بالأب ، ألا يرى أنهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأنهم كلالة فلا ميراث لهم مع الوالد ، وليس حال الإخوة مع الأم بأقوى من حالهم مع عدمها ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أنه قال : لقيت ابن رجل من الإخوة الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس مع الأبوين وسألته عن ذلك فقال : كان ذلك وصية وحينئذ صار الحديث دليلا للجمهور إذ لا وصية لوارث ، والظاهر أنه لا صحة لهذه الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لأنه يوافق
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله تعالى عنه في
حجب الجد للإخوة فكيف يقول بإرثهم مع الأب كذا في « شرح الإمام
السرخسي » ، وفي « الدر المنثور » أن
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وعبد الرزاق ،
[ ص: 227 ] nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عنه ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( فلإمه ) بكسر الهمزة اتباعا لكسرة اللام ، وقيل : إنه اتباع لكسرة الميم ، وضعف بأن فيه اتباع حركة أصلية لحركة عارضة وهي الإعرابية ، وقيل : إنه لغة في الأم ، وأنكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب ، وفي القاموس الأم- وقد تكسر- الوالدة ، ويقال " للأم " أمة وأمهة وتجمع على أمات وأمهات ، وهذه لمن يعقل ، وأمات لما لا يعقل » وحكي ذلك في « الصحاح » عن بعضهم .
من بعد وصية متعلق بيوصيكم والكلام على حذف مضاف بناء على أن المراد من الوصية المال الموصى به ، والمعنى إن هذه الأنصباء للورثة من بعد إخراج وصية . وجوز أن يكون حالا من السدس ، والتقدير مستحقا من بعد ذلك والعامل فيه الجار والمجرور الواقع خبرا لاعتماده ، ويقدر لما قبله مثله كالتنازع ، وقيل : إنه متعلق بكون عام محذوف أي استقر ذلك لهؤلاء من بعد وصية يوصي بها الميت .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ( يوصى ) مبنيا للمفعول مخففا وقرئ
يوصي مبنيا للفاعل مشددا ، والجملة صفة وصية، وفائدة الوصف الترغيب في الوصية والندب إليها ، وقيل : التعميم لأن الوصية لا تكون إلا موصى بها ( أو دين ) عطف على ( وصية ) إلا أنه غير مقيد بما قيدت به من الوصف السابق فلا يتوقف إخراج الدين على الإيصاء به بل هو مطلق يتناول ما ثبت بالبينة والإقرار في الصحة ، وإيثار ( أو ) على الواو للإيذان بتساويهما في الوجوب وتقدمهما على القسمة مجموعين أو مفردين ، وتقديم الوصية على الدين ذكرا مع أن الدين مقدم عليها حكما كما قضى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه ، وأخرجه عنه جماعة لإظهار كمال العناية بتنفيذها لكونها مظنة للتفريط في أدائها حيث إنها تؤخذ كالميراث بلا عوض فكانت تشق عليهم ولأن الجميع مندوب إليها حيث لا عارض بخلاف الدين في المشهور مع ندرته أو ندرة تأخيره إلى الموت وقال
ابن المنير : « إن الآية لم يخالف فيها الترتيب الواقع شرعا لأن أول ما يبدأ به إخراج الدين ثم الوصية ، ثم اقتسام ذوي الميراث ، فانظر كيف جاء إخراج الميراث آخرا تلو إخراج الوصية " والوصية " تلو الدين فوافق قولنا قسمة المواريث بعد الوصية ، والدين صورة الواقع شرعا ، ولو سقط ذكر بعد وكان الكلام أخرجوا الميراث والوصية والدين لأمكن ورود السؤال المذكور ، وهو من الحسن بمكان .
آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا الخطاب للورثة ، وآباؤكم مبتدأ ، وأبناؤكم معطوف عليه ، ولا تدرون مع ما في حيزه خبر له ، وأي إما استفهامية مبتدأ ، وأقرب خبره ، والفعل معلق عنها فهي سادة مسد المفعولين ، وإما موصولة ، وأقرب خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة الموصول وهو مفعول أول مبني على الضم لإضافته ، وحذف صدر صلته ، والمفعول الثاني محذوف ، ونفعا نصب على التمييز وهو منقول من الفاعلية ، والجملة اعتراضية مؤكدة لوجوب تنفيذ الوصية .
والآباء والأبناء عبارة عن الورثة الأصول والفروع ، فيشمل البنات والأمهات والأجداد والجدات ، أي أصولكم وفروعكم الذين يموتون قبلكم لا تعلمون من أنفع لكم منهم؛ أمن أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته ، أم من لم يوص فوفر عليكم عرض الدنيا ، وليس المراد كما قال
شيخ الإسلام بنفي الدراية عنهم بيان اشتباه الأمر عليهم ، وكون أنفعية كل من الأول والثاني في حيز الاحتمال عندهم من غير رجحان لأحدهما على الآخر، فإن ذلك بمعزل من إفادة التأكيد المذكور ، والترغيب في تنفيذ الوصية بل تحقيق
[ ص: 228 ] أنفعية الأول في ضمن التعريض بأن لهم اعتقادا بأنفعية الثاني مبنيا على عدم الدراية ، وقد أشير إلى ذلك حيث عبر عن الأنفعية بأقربية النفع تذكيرا لمناط زعمهم وتعيينا لمنشأ خطئهم ومبالغة في الترغيب المذكور بتصوير الصواب الآجل بصورة العاجل لما أن الطباع مجبولة على حب الخير الحاضر كأنه قيل : لا تدرون أيهم أنفع لكم فتحكمون نظرا إلى ظاهر الحال وقرب المنال بأنفعية الثاني مع أن الأمر بخلافه، فإن ما يترتب على الأول الثواب الدائم في الآخرة ، وما يترتب على الثاني العرض الفاني في الحياة الدنيا ، والأول لبقائه هو الأقرب الأدنى ، والثاني لفنائه هو الأبعد الأقصى ، واختار كثير من المحققين كون الجملة اعتراضا مؤكدا لأمر القسمة ، وجعل الخطاب للمورثين ، وتوجيه ذلك أنه تعالى بين أنصباء الأولاد والأبوين فيما قبل; وكانت الأنصباء مختلفة ، والعقول لا تهتدي إلى كمية ذلك .
فربما يخطر للإنسان أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه كانت أنفع وأصلح كما تعارفه أهل الجاهلية حيث كانوا يورثون الرجال الأقوياء ولا يورثون الصبيان والنسوان الضعفاء فأنكر الله تعالى عليهم ما عسى أن يخطر ببالهم من هذا القبيل ، وأشار إلى قصور أذهانهم فكأنه قال : إن عقولكم لا تحيط بمصالحكم فلا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم فاتركوا تقدير المواريث بالمقادير التي تستحسنونها بعقولكم ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه ، وكونوا مطيعين لأمر الله تعالى في هذه التقديرات التي قدرها سبحانه فإنه العالم بمغيبات الأمور وعواقبها ، ووجه الحكمة فيما قدره ودبره وهو العليم الحكيم ، والنفع على هذا أعم من الدنيوي والأخروي وانتفاع بعضهم ببعض في الدنيا يكون بالإنفاق عليه والتربية له والذب عنه مثلا ، وانتفاعهم في الآخرة يكون بالشفاعة ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939586إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به ، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رحمه الله تعالى ، وخص
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد النفع بالدنيوي وخصه بعضهم بالأخروي .
وذكر أن المعنى لا تدرون أي الآباء من الوالدين والوالدات وأي الأبناء من البنين والبنات أقرب لكم نفعا لترفعوا إليهم في الدرجة في الآخرة ، وإذا لم تدروا فادفعوا ما فرض الله تعالى وقسم ولا تقولوا : لماذا أخر الأب عن الابن ولأي شيء حاز الجميع دون الأم والبنت ، واعترض بأن ذلك غير معلل بالنفع حتى يتم ما ذكر وأنه يدل على أن من قدم في الورثة ، أو ضوعف نصيبه أنفع ولا كذلك ، والجواب بأنه أريد أن المنافع لما كانت محجوبة عن درايتكم فاعتقدوا فيه نفعا لا تصل إليه عقولكم بعيد لعدم فهمه من السياق ، ويرد نحو هذا على ما اختار الكثير ، وربما يقال : المعنى أنكم لا تدرون أي الأصول والفروع أقرب لكم نفعا فضلا عن النفع فكيف تحكمون بالقسمة حسب المنفعة وهي محجوبة عن درايتكم بالمرة ، والكلام مسوق لرد ما كان في الجاهلية، فإن أهل الجاهلية كانوا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ولا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم كانوا يعطون الميراث الأكبر فالأكبر ، وهذا مشعر بأن مدار الإرث عندهم الأنفعية مع العلاقة النسبية فرد الله تعالى عليهم بأن الأنفعية لا تدرونها فكيف تعتبرونها، والغرض من ذلك الإلزام لا بيان أن الأنفعية معتبرة في نفس الأمر إلا أنهم لا يدرونها ، ولعله على هذا لا يرد ما تقدم من الاعتراض فتدبر ، وقيل : إن المراد من الآية إنكم لا تدرون أي الوارثين والمورثين أسرع موتا فيرثه صاحبه فلا تتمنوا موت الموروث ولا تستعجلوه ، ونسب إلى أبي مسلم ، ولا يخفى مزيد بعده .
فريضة من الله [ ص: 229 ] مصدر مؤكد لنفسه على حد هذا ابني حقا لأنه واقع بعد جملة لا محتمل لها غيره فيكون فعله الناصب له محذوفا وجوبا أي فرض ذلك فريضة من الله ، وقيل : إنه ليس بمصدر بل هو اسم مفعول وقع حالا ، والتقدير لهؤلاء الورثة هذه السهام حال كونها مفروضة من الله تعالى ، وقيل : بل هو مصدر إلا أنه مؤكد لفعله وهو يوصيكم السابق على غير لفظه إذ المعنى يفرض عليكم; وأورد عليه
عصام الملة أن المصدر إذا أضيف لفاعله أو مفعوله أو تعلقا به يجب حذف فعله كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14374الرضي إلا أن يفرق بين صريح المصدر وما تضمنه لكن لا بد لهذا من دليل ولم نطلع عليه .
إن الله كان عليما أي بالمصالح والرتب
حكيما في كل ما قضى وقدر فتدخل فيه أحكام المواريث دخولا أوليا ، وموقع هذه الجملة هنا موقع قوله تعالى للملائكة :
إني أعلم ما لا تعلمون والخبر عن الله تعالى بمثل هذه الألفاظ كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل كالخبر بالحال والاستقبال لأنه تعالى منزه عن الدخول تحت الزمان ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : القوم لما شاهدوا علما وحكمة وفضلا وإحسانا تعجبوا فقيل لهم : إن الله تعالى كان كذلك أي لم يزل موصوفا بهذه الصفات فلا حاجة إلى القول بزيادة كان كما ذهب إليه البعض .