الفاء في قوله تعالى:
فذكر إن نفعت الذكرى أي فذكر الناس حسبما يسرناك بما يوحى إليك واهدهم إلى ما في تضاعيفه من الأحكام الشرعية كما كنت تفعله. وقيل: أي. فذكر بعد ما استتب أي استقام وتهيأ لك الأمر، فإن أراد فدم على التذكير بعد ما استقام لك الأمر من إقرائك الوحي وتعليمك القرآن بحيث لا تنسى منه إلا ما اقتضت المصلحة نسيانه وتيسيرك للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين فذاك وإلا فليس بشيء، وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان قد ذكر وبالغ فيه فلم يدع في القوس منزعا وسلك فيه كل طريق فلم يترك مضيفا ولا مهيعا حرصا على الإيمان وتوحيد الملك الديان، وما كان يزيد ذلك بعض الناس إلا كفرا وعنادا وتمردا وفسادا، فأمره صلى الله تعالى عليه وسلم تخفيفا عليه حيث كاد الحرص على إيمانهم يوجه سهام التلف إليه كما قال تعالى:
فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا بأن يخص التذكير بمواد النفع في الجملة بأن يكون من يذكره كلا أو بعضا ممن يرجى منه التذكر ولا يتعب نفسه الكريمة في تذكير من لا يورثه التذكير إلا عتوا ونفورا وفسادا وغرورا من المطبوع على قلوبهم كما في قوله تعالى:
فذكر بالقرآن من يخاف وعيد وقوله سبحانه:
فأعرض عن من تولى عن ذكرنا وعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم بمن طبع على قلبه بإعلام الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام به، فهو صلى الله تعالى عليه وسلم بعد التبليغ وإلزام الحجة
[ ص: 108 ] لا يجب عليه تكرير التذكير على من علم أنه مطبوع على قلبه، فالشرط على هذا على حقيقته، وقيل: إنه ليس كذلك وإنما هو استبعاد النفع بالنسبة إلى هؤلاء المذكورين نعيا عليهم بالتصميم كأنه قيل: افعل ما أمرت به لتؤجر وإن لم ينتفعوا به وفيه تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم، ورجح الأول بأن فيه إبقاء الشرط على حقيقته مع كونه أنسب بقوله تعالى: