وقوله تعالى:
يا أيتها النفس المطمئنة إلخ حكاية لأحوال من اطمأن بذكر الله تعالى وطاعته عز وجل إثر حكاية من اطمأن بالدنيا وسكن إليها. وذكر أنه على إرادة القول؛ أي: يقول الله تعالى:
يا أيتها النفس إلخ. إما بالذات كما كلم سبحانه
موسى عليه السلام، أو على لسان الملك، واستظهر أن ذل القول عند تمام الحساب.
ولينظر التفاوت ما بين ذلك الإنسان وهذه النفس ذاك يقول:
يا ليتني قدمت لحياتي وهذه يقول الله تعالى لها:
يا أيتها النفس المطمئنة إلخ، وكأنه للإيذان بغاية التباين لم يذكر القول، وتعطف الجملة على الجملة السابقة. والنفس قيل: بمعنى الذات ووصفت بالاطمئنان بذلك لأنها لترقى بقوتها العاقلة في معارج الأسباب والمسببات إلى المبدأ المؤثر بالذات جلت صفاته وأسماؤه فتضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفته تعالى، فإذا وصلت إليه عز وجل اطمأنت واستغنت به سبحانه عن وجودها وسائر شؤونها ولم تلتفت إلى ما سواه جل وعلا بالكلية وقيل: هي النفس المؤمنة المطمئنة إلى الحق الواصلة إلى ثلج اليقين وبرودته بحيث لا يخالطها شك ما ولا يمازجها سخونة اضطراب القلب في الحق أصلا وهو وجه حسن، والارتباط عليه أن هذه النفس هي المتعظة الذاكرة على خلاف الإنسان الموصوف فيما قبل، فإن التذكر على قدر قوة اليقين، ألا ترى إلى قوله تعالى:
إنما يتذكر أولو الألباب وقيل: هي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن يوم القيامة، أعني النفس المؤمنة اليوم المتوفاة على الإيمان. وأيد بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: «يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة» وكأنه لأن الوصفين يعتبر تناسبهما في الأكثر وهي على هذا تقابل السابق وهو المتحسر والمتحزن. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي: «يا أيها» بغير تاء، وذكر صاحب البديع أن أيا قد تذكر مع المنادى المؤنث قيل: ولذلك وجه من القياس؛ وذلك أنها كما لم تثن ولم تجمع في نداء المثنى والمجموع، فكذلك لم تؤنث في نداء المؤنث، واعتبار النفس هاهنا مذكرة ثم مؤنثة مما لا تلتفت إليه النفس المطمئنة.