فلا اقتحم العقبة الاقتحام: الدخول بسرعة وضغط وشدة. ويقال: قحم في الأمر قحوما رمى نفسه فيه من غير روية.
والعقبة الطريق الوعر في الجبل وفي البحر هي ما صعب منه وكان صعودا، والجمع عقب وعقاب، وهي هنا استعارة لما فسرت به من الأعمال الشاقة المرتفعة القدر عند الله تعالى، والقرينة ظاهرة، وإثبات الاقتحام المراد به الفعل والكسب ترشيح، ويجوز أن يكون قد جعل فعل ما ذكر اقتحاما وصعودا شاقا، وذكره بعد النجدين جعل الاستعارة في الذروة العليا من البلاغة، والمراد ذم المحدث عنه بأنه مقصر مع ما أنعم الله تعالى به عليه من النعم العظام والأيادي الجليلة الجسام كأنه قيل: فقصر ولم يشكر تلك النعم العظيمة والأيادي الجسيمة بفعل الأعمال الصالحة بل غمط النعمة وكفر بالمنعم واتبع هوى نفسه.
وقوله تعالى:
وما أدراك ما العقبة أي: أي شيء أعلمك ما هي، تعظيم لشأن العقبة المفسرة بقوله سبحانه:
فك رقبة إلخ وتفسيرها بذلك بناء على الادعاء والمجاز، وهو مما لا شبهة في صحته وإن لم يتحد العقبة والفك حقيقة فلا حاجة إلى تقدير مضاف كما زعمه
الإمام ليصح التفسير؛ أي: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ فك... إلخ. وقال بعضهم: يحتمل أن يراد بالعقبة نفس الشكر، عبر بها عنه لصعوبته ولا يأباه
وما أدراك إلخ لأنه بمنزلة ما أدراك ما الشكر
فك رقبة وهو كما ترى.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن العقبة جبل زلال في جهنم. وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن نحوه. وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها النار، وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عنه أنها عقبة بين الجنة والنار، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي أنها الصراط، وقد جاء في صفته ما جاء، ولعل المراد بعقبة بين الجنة والنار هذا. وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
أبي رجاء أنه قال: بلغني أن العقبة التي ذكر الله تعالى في القرآن مطلعها سبعة آلاف سنة، ومهبطها سبعة آلاف سنة، وهذه الأقوال إن صحت يتعين عليها أن يراد بالاقتحام المرور والجواز بسرعة، وأن يقدر المضاف؛ أي: وما أدراك ما اقتحام العقبة فك إلخ. وجعل الفك وما عطف عليه نفس الاقتحام على سبيل المبالغة في سببيته له حتى كأنه نفسه، ومآل المعنى: فلا فعل ما ينجو به، ويجوز بسببه العقبة الكؤود يوم القيامة، وبهذا يندفع ما نقله
الإمام عن
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي بعد نقله تفسيرها بجبل زلال في جهنم وبالصراط ونحو ذلك وهو قوله. وفي هذا التفسير نظر؛ لأن من المعلوم أن هذا الإنسان وغيره لم يقتحموا عقبة جهنم ولا جاوزوها فحمل الآية عليه يكون إيضاحا للواضحات، ثم قال: ويدل عليه أنه لما قال سبحانه:
وما أدراك ما العقبة فسرها جل شأنه بفك الرقبة والإطعام انتهى. نعم أنا لا أقول بشيء من ذلك حتى تصح فيه تفسيرا للآية رواية مرفوعة. والفك تخليص شيء من شيء؛ قال الشاعر:
فيا رب مكروب كررت وراءه وعان فككت الغل منه ففداني
وهو مصدر فك وكذا الفكاك بفتح الفاء كما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14888 (الفراء) والمشهور أن المراد به هنا تخليص رقبة الرقيق من وصف الرقبة بالإعتاق.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء رضي الله تعالى عنه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=698747«أن أعرابيا قال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، قال: «أعتق النسمة وفك الرقبة». قال: أو ليسا بواحد؟ قال: «لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها». الحديث.
وعليه يكون نفي العتق عن المحدث عنه متحققا من باب أولى، ومن الفك بهذا المعنى إعطاء المكاتب ما يصرفه في جهة فكاك نفسه. وجاء في
فضل الإعتاق أخبار كثيرة منها ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والشيخان
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهم
[ ص: 138 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=35552«من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج».
وهو أفضل من الصدقة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وعند صاحبيه الصدقة أفضل، والآية على ما قيل أدل على قول
الإمام لمكان تقديم الفك على الإطعام. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي تفضيل العتق أيضا على الصدقة على ذي القرابة فضلا عن غيره. وقال
الإمام: في الآية وجه آخر حسن؛ وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى وعليه قيل: يكون ما بعد من قبيل التخصيص بعد التعميم وفيه بعد كما لا يخفى.