ومثله ضمير «به» في قوله عز وجل:
فوسطن به أي: فتوسطن في ذلك الوقت
جمعا من جموع الأعداء وجوز فيه وفي بائه نحو ما تقدم في «به» قبله، وجوز أيضا كون الضمير للنقع والباء للملابسة أي فتوسطن ملتبسات بالنقع جمعا أو هي على ما قيل للتعدية إن أريد أنها وسطت الغبار والفاءات كما في الإرشاد للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله فتوسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو.
وقرأ
أبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة: «فأثرن» و «فوسطن» بتشديد الثاء والسين. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى الأول كالجمهور، والثاني كذين. والمعنى على تشديد الأول فأظهرن به غبارا لأن التأثير فيه معنى الإظهار وعلى تشديد الثاني على نحو ما تقدم. فقد نقلوا أن وسط مخففا ومثقلا بمعنى واحد، وأنهما لغتان. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني: المعنى ميزن به جمعا؛ أي:
[ ص: 217 ] جعلنه شطرين أي قسمين وشقين. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: التشديد فيه للتعدية والباء مزيدة للتأكيد كما في قوله تعالى: «وأتوا به» في قراءة؛ وهي مبالغة في: ( وسطن ) وجوز أن يكون قلب ثورن إلى وثرن ثم قلبت الواو همزة فالمعنى على ما مر وهو تمحل مستغنى عنه.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير أنهم قالوا: العاديات هي الإبل تعدو ضبحا من عرفة إلى
المزدلفة ومن
المزدلفة إلى منى. ونسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري في كتاب الأضداد
nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: بينما أنا في
الحجر جالس إذ أتاني رجل فسألني عن ( العاديات ضبحا ) فقلت: الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم، فانفتل عني فذهب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو جالس تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم. سألت عنها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس.
فقال: هي الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى فقال: اذهب فادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام
لبدر، وما كان معنا إلا فرسان، فرس
للزبير وفرس
للمقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات ضبحا؟ إنما العاديات ضبحا الإبل تعدو من
عرفة إلى
المزدلفة، فإذا أووا إلى
المزدلفة أوروا النيران.
فالمغيرات صبحا من
المزدلفة إلى
منى فذلك جمع. وأما قوله تعالى:
فأثرن به نقعا فهو نقع الأرض حين تطؤها بخفافها. قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: فنزعت عن قولي إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه، ورضي الله تعالى عنه.
واستشكل رده كرم الله تعالى وجهه كون المراد بها الخيل بما كان من أمر غزوة
بدر بأن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لم يدع أن أل في العاديات للعهد، وأنها إشارة إلى عاديات بدر، ولا أن السورة نزلت في شأن تلك الغزوة ليلزم تحقق ذلك فيها ودخولها تحت العموم، بل ظاهر كلامه حمل ذلك على جنس الخيل التي تعدو في سبيل الله عز وجل، وإن حملت على العهد. وقيل: إن المعهود هو الخيل التي بعثها عليه الصلاة والسلام للغزو على ما سمعت صدر السورة، وكذا على ما روي من
أنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى أناس من بني كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري وكان أحد النقباء فأبطأ صلى الله تعالى عليه وسلم خبرها شهرا، فقال المنافقون: إنهم قتلوا، فنزلت السورة إخبارا له عليه الصلاة والسلام بسلامتها وبشارة له صلى الله تعالى عليه وسلم بإغارتها على القوم لم يبعد، وأجيب بأنه كرم الله تعالى وجهه أراد أن
غزوة بدر هي أفضل غزوات الإسلام وبدرها الذي ليس فيه انثلام فيتعين أن لا تكون المراد ذلك. ويسلك في الآية ما يناسبها من المسالك ولا يخفى أن هذا الجواب لا يتحمل لمزيد ضعفه الإغارة عليه وإطلاق أعنة عاديات الأفكار إليه، والأحرى أن الخبر لا صحة له وتصحيح الحاكم محكوم عليه عند أهل الأثر بكثرة التساهل فيه وأنه غير معتبر، ثم إن النقل عنه رضي الله تعالى عنه في المراد بالعاديات متعارض بما تقدم أنه إبل الحجاج. ونقل صاحب التأويلات أنه كرم الله تعالى وجهه فسرها بإبل
بدر، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هو الذي فسرها بإبل الحجاج. ويرجح إرادة الخيل أن إثارة النقع فيها أظهر منها في الإبل، ثم إن ذلك الخبر يقتضي أن للقسم به نوعان؛ الخيل والإبل وجماعة الغزاة أو الحجاج الموقدة نارا لطعامها أو نحوه. وفي بعض الآثار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما هو أصرح مما تقدم في تفسير الموريات بما يغاير العاديات بالذات ففي البحر عنه أنها الجماعة التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها. وفي رواية أخرى عنه تلك جماعة الغزاة تكثر النار إرهابا، ورويت المغايرة عن آخرين أيضا. فعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم وهي رواية أخرى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هي الجماعة تمكر في الحرب،
فالعرب تقول إذا أرادت المكر بالرجل: والله لأورين له، ومن الغريب ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أنها ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما يتكلم به، ويظهر من الحجج والدلائل وإظهار الحق وإبطال الباطل. وهو كما ترى.
ومن البطون والإشارات أن
[ ص: 218 ] يكون المقسم به النفوس العادية إثر كمالهن الموريات بأفكارهن أنوار المعارف والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهن مثل أنوار القدس فأثرن به شوقا فوسطن بذلك الشوق جمعا من جموع العليين. ومثله ما قيل: إن ذلك قسم بالهمم القالبية التي تعدو في سبيل الله تعالى خارجا من جوف اشتياقها صوت الدعاء من شدة العدو وغاية الشوق بحيث يسمع الروحانيون ضجيج دعائها وتضرعها والتماسها تسهيل سلوك الطريق الوعر الذي يتعلق بجبال القالب الموريات بحوافر الذكر نار الهداية المستكنة في حجر القالب وقت تخمير اللطيفة والمغيرات بعد سلوكها في جبال القالب الراسية في ظلام الليل القالبي وعبورها عنها إلى أفق عالم النفس وتنفس صبح النفس على الخواطر النفسية وشؤونها فهيجن بذلك الجري غبار الخواطر وأثرنه لئلا يختفي خاطر من الخواطر، فوسطن بذلك جمعا من جنود القوى القلبية وحزب الخواطر الذكرية التي هي حزب الرحمن في وسط عالم النفس ولهم في هذا الباب غير ذلك.
وأيا ما كان فالمقسم عليه