وما لكم خطاب للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفات مبالغة في الحث والتحريض عليه، وهو المقصود من الاستفهام و(ما) مبتدأ و(لكم) خبره، وقوله تعالى:
لا تقاتلون في سبيل الله في موضع الحال، والعامل فيها الاستقرار أو الظرف لتضمنه معنى الفعل، أي: أى شيء لكم غير مقاتلين، والمراد: لا عذر لكم في ترك المقاتلة
والمستضعفين إما عطف على الاسم الجليل، أي: في سبيل المستضعفين، وهو تخليصهم عن الأسر، وصونهم عن العدو، وهو المروي عن
ابن شهاب، واستبعد بأن تخليصهم سبيل الله تعالى لا سبيلهم، وفيه أنه وإن كان سبيل الله عز اسمه له نوع اختصاص بهم فلا مانع من إضافته إليهم.
واحتمال أن يراد بالمقاتلة في سبيلهم المقاتلة في فتح طريق
مكة إلى
المدينة، ودفع سد المشركين إياه ليتهيأ خروج المستضعفين مستضعف جدا، وإما عطف على (سبيل) بحذف مضاف، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد، أي: وفي خلاص المستضعفين، ويجوز نصبه بتقدير أعني أو أخص، فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير، وتخليص المستضعفين من أيدي المشركين من أعظمها وأخصها، ومعنى المستضعفين الذين طلب المشركون ضعفهم وذلهم، أو الضعفاء منهم، والسين للمبالغة.
من الرجال والنساء والولدان بيان للمستضعفين، وهم المسلمون الذين
[ ص: 82 ] بقوا
بمكة لمنع المشركين لهم من الخروج، أو ضعفهم عن الهجرة، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «كنت أنا وأمي من المستضعفين» وقد ذكر منهم
سلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، وأبا جندل بن سهيل، وإنما ذكر الولدان تكميلا للاستعطاف، والتنبيه على تناهي ظلم المشركين، والإيذان بإجابة الدعاء الآتي، واقتراب زمان الخلاص، وفي ذلك مبالغة في الحث على القتال.
ومن ها يعلم أن الآية لا تصلح دليلا على صحة إسلام الصبي بناء على أنه لولا ذلك لما وجب تخليصهم، على أن في انحصار وجوب التخليص في المسلم نظرا؛ لأن صبي المسلم يتوقع إسلامه، فلا يبعد وجوب تخليصه لينال مرتبة السعداء، وقيل: المراد بالولدان العبيد والإماء، وهو على الأول جمع وليد ووليدة، بمعنى صبي وصبية، وقيل: إنه جمع ولد كورل وورلال، وعلى الثاني كذلك أيضا إلا أن الوليد والوليدة بمعنى العبد والجارية.
وفي الصحاح: الوليد الصبي والعبد، والجمع ولدان، والوليدة الصبية والأمة، والجمع ولائد، فالتعبير بالولدان على طريق التغليب ليشمل الذكور والإناث
الذين في محل جر على أنه صفة للمستضعفين، أو لما في حيز البيان، وجوز أن يكون نصبا بإضمار فعل، أي: أعني أو أخص الذين.
يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المؤمنين، ومنعهم عن الهجرة، والوصف صفة قرية، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أجري على غير من هو له فتذكيره وتأنيثه على حسب الاسم الظاهر الذي عمل فيه، ولم ينسب الظلم إليها مجازا، كما في قوله تعالى: " وكأين من قرية بطرت معيشتها " وقوله سبحانه:
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة إلى قوله عز وجل:
فكفرت بأنعم الله لأن المراد بها
مكة كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي، وغيرهم، فوقرت عن نسبة الظلم إليها؛ تشريفا لها، شرفها الله تعالى.
واجعل لنا من لدنك وليا يلي أمرنا حتى يخلصنا من أيدي الظلمة، وكلا الجارين متعلق بـ(اجعل) لاختلاف معنيهما، وتقديمهما على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما، وإبراز الرغبة في المؤخر بتقديم أحواله، وتقديم اللام على (من) للمسارعة إلى إبراز كون المسؤول نافعا لهم مرغوبا فيه لديهم، وجوز أن يكون (من لدنك) متعلقا بمحذوف وقع حالا من (وليا) وكذا الكلام في قوله تعالى:
واجعل لنا من لدنك نصيرا أي حجة ثابتة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: المراد ول علينا واليا من المؤمنين يوالينا، ويقوم بمصالحنا، ويحفظ علينا ديننا وشرعنا، وينصرنا على أعدائنا، ولقد استجاب الله تعالى شأنه دعاءهم، حيث يسر لبعضهم الخروج إلى
المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير ولي وأعز ناصر، ففتح
مكة على يدي نبيه - صلى الله تعالى عليه وسلم - فتولاهم أي تول، ونصرهم أي نصرة، ثم استعمل عليهم
عتاب بن أسيد، وكان ابن ثماني عشرة سنة، فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها، وقيل: المراد: اجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي كن أنت ولينا وناصرنا، وتكرير الفعل ومتعلقيه للمبالغة في التضرع والابتهال.