يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم أي لذائذ ذلك وما تميل إليه القلوب منه كأنه لما تضمن ما سلف من مدح النصارى على الرهبانية ترغيب المؤمنين في كسر النفس ورفض الشهوات عقب سبحانه ذلك بالنهي عن الإفراط في هذا الباب أي لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم، وقيل: لا تلتزموا تحريمها بنحو يمين، وقيل : لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم، وكون المعنى لا تحرموها على غيركم بالفتوى والحكم مما لا يلتفت إليه فقد روي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما فذكر الناس ووصف القيامة فرق الناس وبكوا واجتمع عشرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر رضي الله تعالى عنه nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر والمقداد بن الأسود nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن وصاحب البيت واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل و لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ولا يقربوا النساء والطيب ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض وهم بعضهم أن يجب مذاكيره فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى دار nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فلم يصادفه فقال لأمرأته أم حكيم: أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه فكرهت أن تنكر إذ سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فقد صدقك وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فأخبرته أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو وأصحابه فقال عليه الصلاة والسلام لهم : أنبئت أنكم اتفقتم على كذا وكذا قال: نعم يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إني لم أومر بذلك ثم قال عليه الصلاة والسلام : "إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" ثم جمع الناس وخطبهم فقال: "ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد، اعبدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع" فأنزل الله تعالى هذه الآية
وروي عن
أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الآية نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه
وبلال وعثمان بن مظعون؛ فأما
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله تعالى، وأما
بلال [ ص: 9 ] فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فإنه حلف أن لا ينكح أبدا. وروي أيضا غير ذلك ولم نقف على رواية فيها ما يدل على أن هذا التحريم كان على الغير بالفتوى والحكم كما ذهب إليه هذا القائل. ومع هذا يبعده ما يأتي بعد من الأمر بالأكل. ولا ينافي هذا النهي أن الله تعالى مدح النصارى بالرهبانية فرب ممدوح بالنسبة إلى قوم مذموم بالنسبة إلى آخرين
وقوله تعالى:
ولا تعتدوا تأكيد للنهي السابق أي لا تتعدوا حدود ما أحل سبحانه لكم إلى ما حرم جل شأنه عليكم أو نهى عن تحليل الحرام بعد النهي عن تحريم الحلال فيكون تأسيسا، ويحتمل أن يكون نهيا عن الإسراف في الحلال وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أن المراد: لا تجبوا أنفسكم، ولا يخفى أن الجب فرد من أفراد الاعتداء وتجاوز الحدود، والحمل على الأعم أعم فائدة
وقوله سبحانه وتعالى :
إن الله لا يحب المعتدين في موضع التعليل لما قبله، وقد تقدمت الإشارة إلى أن نفي محبة الله سبحانه لشيء مستلزم لبغضه له لعدم الواسطة في حقه تعالى