وقوله تعالى :
إن تعذبهم فإنهم عبادك على معنى إن تعذبهم لم يلحقك بتعذيبهم اعتراض لأنك المالك المطلق لهم ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعله بملكه، وقيل : على معنى (إن تعذبهم) لم يستطع أحد منهم على دفع ذلك عن نفسه لأنهم عبادك الأرقاء في أسر ملكك وماذا تبلغ قدرة العبد في جنب قدرة مالكه، وقيل : المعنى إن تعذبهم فإنهم يستحقون ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك وخالفوا أمرك وقالوا ما قالوا، ونسب ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو بعيد عن النظم، نعم لا يبعد أن يكون في النظم إشارة إليه
وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم
811
- أي فإن تغفر لهم ما كان منهم لا يلحقك عجز بذلك ولا استقباح فإنك القوي القادر على جميع المقدرات التي من جملتها الثواب والعقاب (الحكيم) الذي لا يريد ولا يفعل إلا ما فيه حكمة، والمغفرة للكافر لم يعدم فيها وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن لأنه أدخل في الكرم وإن كانت العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر، وعدم المغفرة للكافر بحكم النص والإجماع لا للامتناع الذاتي فيه ليمتنع الترديد والتعليق بـ(إن)
وقد نقل الإمام أن غفران الشرك عندنا جائز. وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا : لأن العقاب حق الله تعالى على المذنب وليس في إسقاطه على الله سبحانه مضرة. وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن معنى الآية إن تعذبهم فتميتهم بنصرانيتهم فيحق عليهم العذاب فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام فإنك أنت العزيز الحكيم وهذا قول
عيسى عليه السلام في الدنيا اهـ
ولا يخفى أنه مخالف لما يقتضيه السباق والسياق، وقيل : الترديد بالنسبة إلى فرقتين والمعنى إن تعذبهم أي من كفر منهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم وتعف عمن آمن منهم فإنك إلخ وهو بعيد جدا، وظاهر ما قالوه أنه ليس في قوله سبحانه وإن تغفر إلخ تعريض بسؤال المغفرة وإنما هو لإظهار قدرته سبحانه وحكمته، ولذا قال سبحانه (العزيز الحكيم) دون الغفور الرحيم مع اقتضاء الظاهر لهما، وما جاء في الأخبار مما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=701210صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بالآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها إن تعذبهم فإنهم عبادك إلخ فلما أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت قال : إني سألت ربي سبحانه الشفاعة فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله تعالى من لا يشرك بالله تعالى شيئا " وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم. nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا في حسن الظن.
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الأسماء والصفات. وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=657309أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله سبحانه في إبراهيم عليه السلام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني الآية، وقوله عز وجل في عيسى بن مريم : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم إلخ فرفع يديه فقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله جلت رحمته : يا جبرائيل اذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقل له : إنا سنقر عينك في أمتك وما نسوءك" وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه nindex.php?page=hadith&LINKID=701365عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : "قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية من القرآن يعني بها هذه الآية ومعك قرآن لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه قال : دعوت الله [ ص: 71 ] سبحانه لأمتي قال : فماذا أجبت؟ قال : أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة قلت : أفلا أبشر الناس؟ قال : بلى فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا يتكلوا ويدعوا العبادة فناداه أن ارجع فرجع" لا يقوم دليلا على أن في الآية تعريضا بطلب المغفرة للكافر إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته وطلب الشفاعة لهم بهذا النظم لكن على الوجه الذي قصده عيسى عليه السلام منه، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم اقتبس ذلك من القرآن مؤديا به مقصوده الذي أراد وليس ذلك أول اقتباس له عليه الصلاة والسلام فقد صرح بعض العلماء أن دعاء التوجه عند الشافعية من ذلك القبيل والصلاة لا تنافي الدعاء، وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ومن معه ليس فيه أكثر من أن ما ذكر آثار كأمن شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته فدعا لهم بما دعا وذلك لا يتوقف على أن في الآية تعريضا لسؤال المغفرة للكافر، ثم أن العلماء في بيان سر ذكر ذينك الاسمين الجليلين في الآية كلاما طويلا حيث أشكل وجه مناسبتهما لسياق ما قرنا به حتى حكي عن بعض القراء أنه غيرهما لسخافة عقله فكان يقرأ فإنك أنت الغفور الرحيم إلى أن حبس وضرب سبع درر، ووقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود (فإنك أنت العزيز الغفور) كما نقل ذلك ابن الأنباري، وقد علمت أحد توجيهاتهم لذلك
وقيل : إن ذكرهما من باب الاحتراس لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فدفع توهم ذلك بذكرهما، وفي أمالي
العز بن عبد السلام أن (العزيز) معناه هنا الذي لا نظير له، والمعنى وإن تغفر لهم فإنك أنت الذي لا نظير لك في غفرانك وسعة رحمتك، وأنت أولى من رحم وأجدر من غفر وستر (الحكيم) الذي لا يفعل شيئا إلا في مستحقه وهم مستحقون ذلك لفضلك وضعفهم، وهذا ظاهر في أن في الآية تعريضا بطلب المغفرة ولا أظنك تقول به، وادعى بعضهم أنهما متعلقان بالشرطين لا بالثاني فقط، وحينئذ وجه مناسبتهما لا سترة عليه فإن من له الفعل والترك عزيز حكيم، وذكر أن هذا أنسب وأدق وأليق بالمقام