ولو ترى إذ وقفوا على النار شروع في حكاية ما سيصدر
[ ص: 128 ] عنهم يوم القيامة من القول المتناقض لما صدر عنهم في الدنيا من القبائح المحكية مع كونه كاذبا في نفسه. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من له أهلية ذلك قصدا إلى بيان سوء حالهم وبلوغها من الشناعة إلى حيث لا يختص بها راء دون راء. و (لو) شرطية على أصلها وجوابها محذوف لتذهب نفس السامع كل مذهب فيكون أدخل في التهويل. ونظير ذلك قولة
امرئ القيس :
وجدك لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا،
وقولهم: لو ذات سوار لطمتني. و (ترى) بصرية وحذف مفعولها لدلالة ما في حيز الظرف عليه. والإيقاف إما من الوقوف المعروف أو من الوقوف بمعنى المعرفة كما يقال أوقفته على كذا إذا فهمته وعرفته. واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أي ولو ترى حالهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها أو يرفعوا على جسرها وهي تحتهم فينظرونها أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها لرأيت ما لا يحيط به نطاق التعبير. وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق
وقيل : إن (لو) بمعنى إن. وجوزوا أن تكون ترى علمية وهو كما ترى. وقرئ (وقفوا) بالبناء للفاعل من وقف عليه اللازم ومصدره غالبا للوقوف. ويستعمل وقف متعديا أيضا ومصدره الوقف وسمع فيه أوقف لغة قليلة
وقيل : إنه بطريق القياس (فقالوا) لعظم أمر ما تحققوه
يا ليتنا نرد أي إلى الدنيا. و (يا) للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف أي يا قومنا مثلا
ولا نكذب بآيات ربنا أي القرآن كما كنا نكذب من قبل ونقول: أساطير الأولين. وفسر بعضهم الآيات بما يشمل ذلك والمعجزات، وقال شيخ الإسلام : يحتمل أن يراد بها الآيات الناطقة بأحوال النار وأهوالها الآمرة باتقائها بناء على أنها التي تخطر حينئذ ببالهم ويتحسرون على ما فرطوا في حقها. ويحتمل أن يراد بها جميع الآيات المنتظمة لتلك الآيات انتظاما أوليا
ونكون من المؤمنين
72
- بها حتى لا نرى هذا الموقف الهائل كما لم ير المؤمنون. ونصب الفعلين -على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وسبقه إليه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14158الحلبي الزجاج- بإضمار أن على جواب التمني. والمعنى إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين. ورده
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بأن نصب الفعل بعد الواو ليس على الجوابية لأنها لا تقع في جواب الشرط فلا ينعقد مما قبلها أو ما بعدها شرط جواب، وإنما هي واو تعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها وهي عاطفة يتعين مع النصب أحد محاملها الثلاث وهي المعية ويميزها عن الفاء صحة حلول محلها أو الحال. وشبهة من قال : إنها جواب أنها تنصب في المواضع التي تنصب فيها الفاء فتوهم أنها جواب. ويوضح لك أنها ليست به انفراد الفاء دونها بأنها إذا حذفت انجزم الفعل بعدها بما قبلها لما تضمنه من معنى الشرط، وأجيب بأن الواو أجريت هنا مجرى الفاء. وجعلها
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري مبدلة منها. ويؤيد ذلك قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وابن إسحاق (فلا نكذب) ، واعترض أيضا ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من معنى الجزائية بأن ردهم لا يكون سببا لعدم تكذيبهم. وأجيب بأن السببية يكفي فيها كونها في زعمهم. ورد بأن مجرد الرد لا يصلح لذلك فلا بد من العناية بأن يراد الرد الكائن بعد ما ألجأهم إلى ذلك إذ قد انكشفت لهم حقائق الأشياء. ولهذه الدغدغة اختار من اختار العطف على مصدر متوهم قبل كأنه قيل: ليت لنا ردا وانتفاء تكذيب وكونا من المؤمنين. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع وابن كثير
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي برفع الفعلين، وخرج على أن ذلك ابتداء كلام منهم غير معطوف على ما قبله والواو كالزائدة؛ كقول المذنب لمن يؤذيه على ما صدر منه: دعني ولا أعود يريد لا أعود تركتني أو لم تتركني. ومن ذلك على ما قاله الإمام
عبد القاهر قوله :
[ ص: 129 ] اليوم يومان مذ غيبت عن نظري نفسي فداؤك ما ذنبي فأعتذر
وكأن المقتضى لنظمه في هذا السلك إفادة المبالغة المناسبة لمقام المغازلة، واختار بعضهم كونه ابتداء كلام بمعنى كونه مقطوعا عما في حيز التمني معطوفا عليه عطف إخبار على إنشاء، ومن النحاة من جوزه مطلقا، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه، وجوز أن يكون داخلا في حكم التمني على أنه عطف على (نرد) أو حال من الضمير فيه، فالمعنى -كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب- على تمني مجموع الأمرين الرد وعدم التكذيب أي التصديق الحاصل بعد الرد إلى الدنيا لأن الرد ليس مقصودا بالذات هنا، وكونه متمنى ظاهر لعدم حصوله حال التمني وإن كان التمني منصبا على الإيمان والتصديق فتمنيه لأن الحاصل الآن لا ينفعهم لأنهم ليسوا في دار تكليف فتمنوا إيمانا ينفعهم وهو إنما يكون بعد الرد المحال والمتوقف على المحال محال. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر برفع الأول ونصب الثاني على ما علمت آنفا، والجوابية إما بالنظر إلى المجموع أو بالنظر إلى الثاني وعدم التكذيب بالآيات مغاير للإيمان والتصديق فلا اتحاد
وقرئ شاذا بعكس هذه القراءة.