وكيف أخاف ما أشركتم استئناف كما قال شيخ الإسلام مسوق لنفي الخوف عنه عليه السلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفس الأمر؛ والاستفهام لإنكار
[ ص: 206 ] الوقوع ونفيه بالكلية؛ وفي توجيه الإنكار إلى كيفية الخوف من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال : أأخاف لما أن كل موجود لا يخلو عن كيفية فإذا انتفى وجوده من جميع الجهات بالطريق البرهاني، و (كيف) حال والعوامل فيها (أخاف) و (ما) موصولة أو نكرة موصوفة والعائد محذوف، وجوز أن تكون مصدرية، وقوله تعالى :
ولا تخافون أنكم أشركتم بالله في موضع الحال من ضمير (أخاف) بتقدير مبتدإ لمكان الواو، وقيل : لا حاجة إلى التقدير لأن المضارع المنفي قد يقرن بالفاء، ولا حاجة هنا إلى ضمير عائد إلى ذي الحال لأن الواو كافية في الربط وهو مقرر لإنكار الخوف ونفيه عنه عليه السلام ومفيد لاعترافهم بذلك فإنهم حيث لم يخافوا في محل الخوف فلأن لا يخاف عليه السلام في محل الأمن أولى وأحرى أي كيف أخاف أنا ما ليس في حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو إشراككم بالله تعالى الذي فطر السموات والأرض ما هو من جملة مخلوقاته، وعبر عنه بقوله سبحانه :
ما لم ينزل به عليكم سلطانا أي حجة على طريق التهكم قيل مع الإيذان بأن الأمور الدينية لا يعول فيها إلا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى، وضمير (به) عائد على الموصول والكلام على حذف مضاف أي بإشراكه، وجوز أن يكون راجعا إلى الإشراك المقيد بتعلقه بالموصول، ولا حاجة إلى العائد وهو على ما قيل مبني على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش في الاكتفاء في الربط برجوع العائد إلى ما يتلبس بصاحبه وذكر متعلق الإشراك وهو الاسم الجليل في الجملة الحالية دون الجملة الأولى، قيل لأن المراد في الجملة الحالية تهويل الأمر، وذكر المشرك به أدخل في ذلك
وقال بعض المحققين : الظاهر أن يقال في وجه الذكر في الثانية والترك في الأولى إنه لما قيل قبيل هذا (ولا أخاف ما أشركتم به) كان ما هنا كالتكرار له فناسب الاختصار وأنه عليه السلام حذفه إشارة إلى بعد وجدانيته تعالى عن الشرك فلا ينبغي عنده نسبته إلى الله تعالى ولا ذكر معه، ولما ذكر حال المشركين الذين لا ينزهونه سبحانه عن ذلك صرح به وقيل : إن ذكر الاسم الجليل في الجملة الثانية ليعود إليه الضمير في (ما لم ينزل) وليس بشيء لأنه يكفي سبق ذكره في الجملة، وقيل : لأن المقصود إنكاره عليه السلام عدم خوفهم من إشراكهم بالله تعالى لأنه المنكر المستبعد عند العقل السليم لا مطلق الإنكار ولا كذلك في الجملة الأولى فإن المقصود فيها إنكار أن يخاف عليه السلام غير الله تعالى سواء كان مما يشركه الكفار أو لا؛ وليس بشيء أيضا لأن الجملة الثانية ليست داخلة مع الأولى في حكم الإنكار إلا عند مدعي العطف وهو مما لا سبيل إليه أصلا لإفضائه إلى فساد المعنى قطعا لما تقدم أن الإنكار بمعنى النفي بالكلية فيؤول المعنى إلى نفي الخوف عنه عليه السلام ونفي نفيه عنهم وأنه بين الفساد، وأيضا أن
ما أشركتم كيف يدل على ما سوى الله تعالى غير الشريك إن هذا إلا شيء عجاب ثم أن الآية نص في أن الشرك مما لم ينزل به سلطان. وهل يمتنع عقلا حصول السلطان في ذلك أم لا؟ ظاهر كلام بعضهم وفي أصول الفقه ما يؤيده في الجملة الثاني والذي أختاره الأول، وقول
الإمام إنه لا يمتنع عقلا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للدعاء ليس من محل الخلاف كما لا يخفى على الناظر، فانظر
فأي الفريقين أحق بالأمن كلام مرتب على إنكار خوفه عليه السلام في محل الأمن مع تحقق عدم
[ ص: 207 ] خوفهم في محل الخوف مسوق لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه السلام لما هو عليه من الأمن وبعدم استحقاقهم لما هم عليه، وبهذا يعلم ما في دعوى أن الإنكار في الجملة الأولى لنفي الوقوع وفي الثانية لاستبعاد الواقع، وإنما جيء بصيغة التفضيل المشعرة باستحقاقهم له في الجملة لاستنزالهم عن رتبة المكابرة والاعتساف بسوق الكلام على سنن الإنصاف، والمراد بـ (الفريقين) الفريق الآمن في محل الأمن والآمن في محل الخوف، فإيثار ما في النظم الكريم -كما قيل- على أن يقال : فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ لتأكيد الإلجاء إلى الجواب بالتنبيه على علة الحكم والتفادي عن التصريح بتخطئتهم التي ربما تدعو إلى اللجاج والعناد مع الإشارة بما في النظم إلى أن أحقية الأمن لا تخصه عليه السلام بل تشمل كل موحد ترغيبا لهم في التوحيد
إن كنتم تعلمون
81
- أي من هو أحق بذلك أو شيء من الأشياء أو إن كنتم من أولي العلم فأخبروني بذلك. وقرئ (سلطانا) بضم اللام وهي لغة أتبع فيها الضم الضم.