ذلكم إشارة إلى المنعوت بما ذكر من جلائل النعوت، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا، والخطاب للمشركين المعهودين بطريق الالتفات
وذهب
الطبرسي أنه لجميع الناس وهو مبتدأ وقوله سبحانه :
الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء أخبار أربعة مترادفة أي ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة الشأن هو الله المستحق للعبادة خاصة مالك
[ ص: 244 ] أمركم لا شريك له أصلا خالق كل شيء مما كان وسيكون، والمعتبر في عنوان الموضوع حسبما اقتضته الإشارة إنما هو خالقيته سبحانه لما كان فقط كما ينبئ عنه صيغة الماضي، وجوز أن يكون الاسم الجليل بدلا من اسم الإشارة و (ربكم) صفته وما بعده خبر، وأن يكون الاسم الجليل هو الخبر وما بعده إبدال منه، وأن يكون بدلا والبواقي أخبار، وأن يقدر لكل خبر من الأخبار الثلاثة مبتدأ، وأن يجعل الكل بمنزلة اسم واحد، وأن يكون
خالق كل شيء بدلا من الضمير، وجوز غير ذلك. وقوله تعالى:
فاعبدوه مسبب عن مضمون الجملة فإن من جمع هذه الصفات كما هو المستحق للعبادة خاصة، وادعى بعضهم أن العبادة المأمور بها هي نهاية الخضوع وهي لا تتأتى مع التشريك فلذا استغني عن أن يقال: فلا تعبدوا إلا إياه، ويفهم منه أن مجرد مفهوم العبادة يفيد الاختصاص، ولا يأباه دعوى إفادة تقديم المفعول في
إياك نعبد إياه لأن إفادة الحصر بوجهين مانع منها كما في لله الحمد ونحوه، وإنما قال سبحانه هنا
ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وفي سورة المؤمن:
ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون فقدم سبحانه هنا لا إله إلا هو على خالق كل شيء وعكس هناك؛ قال بعض المحققين لأن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى:
جعلوا لله شركاء إلخ فلما قال جل شأنه:
ذلكم الله ربكم أتى بعده بما يدفع الشركة فقال عز قائلا:
لا إله إلا هو ثم
خالق كل شيء وتلك جاءت بعد قوله سبحانه:
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عنه جل شأنه كما كان في الآية الأولى؛ فكان تقديم
خالق كل شيء هناك أولى، والله تعالى أعلم بأسرار كلامه
وهو على كل شيء وكيل
102
- عطف على الجملة السابقة أي وهو مع تلك الصفات الجليلة الشأن متولي جميع الأمور الدنيوية والأخروية، ويلزم من ذلك أن لا يوكل أمر إلى غيره ممن لا يتولى
وجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال وقيدا للعبادة ويؤول المعنى إلى أنه سبحانه مع ما تقدم متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مأربكم، وفسر بعضهم الوكيل بالرقيب أي أنه تعالى رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها. واستدل أصحابنا بعموم
خالق كل شيء على أنه تعالى الخالق لأعمال العباد
والمعتزلة قالوا عندنا هنا أشياء تخرج أعمال العباد من البين: أحدها تعقيب ذلك العموم بقوله سبحانه:
فاعبدوه فإنه لو دخلت أعمال العباد هناك لصار تقدير الآية إنا خلقنا أعمالكم فافعلوها بأعيانها مرة أخرى؛ وفساده ظاهر. ثانيها أن
خالق كل شيء ذكر في معرض المدح والثناء؛ ولا تمدح بخلق الزنا واللواط والسرقة والكفر مثلا. ثالثها أنه تعالى قال بعد:
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وهو تصريح بكون العبد مستقلا بالفعل والترك وأنه لا مانع له. رابعها أن هذه الآية أتي بها بعد:
وجعلوا لله شركاء الجن والمراد منه على ما روي عن الحبر الرد على المجوس في إثبات إلهين فيجب أن يكون
خالق كل شيء محمولا على إبطال ذلك وهو إنما يكون إذا قلنا : إنه تعالى هو الخالق لما في هذا العالم من السباع والآلام ونحوها وإذا حمل على ذلك لم تدخل أعمال العباد ولا يخفى ما في ذلك من النظر ومثله استدلالهم بالآية على نفي الصفات وكون القرآن مخلوقا، فتدبر.