إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون
قوله عز وجل:
إن الذين يكتمون ما أنزلنا قيل: هم رؤساء اليهود،
كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وابن صوريا، وزيد بن التابوت، هم الذين كتموا ما أنزل الله.
من البينات والهدى فيه قولان: أحدهما: أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم، والهدى: الأمر باتباعه. والثاني: أن البينات والهدى واحد، والجمع بينهما تأكيد، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه.
من بعد ما بيناه للناس في الكتاب يعني القرآن.
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فيهم أربعة أقوال: أحدها: أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب. [ ص: 215 ]
والثاني: اللاعنون: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . والثالث: أنهم البهائم، إذا يبست الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني
آدم، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة . والرابع: أنهم المؤمنون من الإنس والجن، والملائكة يلعنون من كفر بالله واليوم الآخر، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس. إلا الذين تابوا يعني بالإسلام من كفرهم
وأصلحوا يحتمل وجهين: أحدهما: إصلاح سرائرهم وأعمالهم. والثاني: أصلحوا قومهم بإرشادهم إلى الإسلام. ( وبينوا ) يعني ما في التوراة من نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه
فأولئك أتوب عليهم والتوبة من العباد: الرجوع عن الذنب، والتوبة من الله تعالى: قبولها من عباده. قوله تعالى:
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار وإنما شرط الموت على الكفر لأن حكمه يستقر بالموت عليه ويرتفع بالتوبة منه.
أولئك عليهم لعنة الله واللعنة من العباد: الطرد، ومن الله تعالى: العذاب.
والملائكة والناس أجمعين وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري: ( والملائكة والناس أجمعون ) بالرفع، وتأويلها: أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون. فإن قيل: فليس يلعنهم جميع الناس لأن قومهم لا يلعنونهم، قيل: عن هذا جوابان: أحدهما: أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس، فغلب حكم الأكثر على الأقل. والثاني: أن المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس كما قال تعالى:
يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا [العنكبوت: 25] . ثم قال تعالى:
خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب فيه تأويلان:
[ ص: 216 ]
أحدهما: لا يخفف بالتقليل والاستراحة. والثاني: لا يخفف بالصبر عليه والاحتمال له.
ولا هم ينظرون يحتمل وجهين: أحدهما: لا يؤخرون عنه ولا يمهلون. والثاني: لا ينظر الله عز وجل إليهم فيرحمهم.