الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
قوله تعالى :
الذي خلقني فهو يهدين فيه وجهان :
أحدهما : الذي خلقني بنعمته فهو يهدين لطاعته .
الثاني : الذي خلقني لطاعته فهو يهديني لجنته ، فإن قيل فهذه صفة لجميع الخلق فكيف جعلها
إبراهيم دليلا على هدايته ولم يهتد بها غيره؟
قيل : إنما ذكرها احتجاجا على وجوب الطاعة ، لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها ، وهذا إلزام صحيح ثم فصل ذلك بتعديد نعمه عليه وعليهم فقال :
والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين وهذا احتجاجا عليهم لموافقتهم له ثم قال :
والذي يميتني ثم يحيين وهذا قاله استدلالا ولم يقله احتجاجا ، لأنهم خالفوه فيه ، فبين لهم أن ما وافقوه عليه موجب لما خالفوه فيه .
وتجوز بعض المتعمقة في غوامض المعاني فعدل بذلك عن ظاهره إلى ما
[ ص: 176 ] تدفعه بداهة العقول فتأول
والذي هو يطعمني ويسقين أي يطعمني لذة الإيمان ويسقيني حلاوة القبول .
وفي قوله :
وإذا مرضت فهو يشفين وجهان :
أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته .
الثاني : مرضت بمقاساة الخلق شفاني بمشاهدة الحق .
وتأولوا قوله :
والذي يميتني ثم يحيين على ثلاثة أوجه :
أحدها : والذي يميتني بالمعاصي ويحييني بالطاعات .
الثاني : يميتني بالخوف ويحييني بالرجاء .
الثالث : يميتني بالطمع ويحييني بالقناعة . وهذه تأويلات تخرج عن حكم الاحتمال إلى جهة الاستطراف ، فلذلك ذكرناها وإن كان حذفها من كتابنا أولى .