ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم
قوله تعالى:
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أما العرضة في كلام
العرب ، فهي القوة والشدة ، وفيها ههنا تأويلان: أحدهما: أن تحلف بالله تعالى في كل حق وباطل ، فتتبذل اسمه ، وتجعله عرضة. والثاني: أن معنى عرضة ، أي علة يتعلل بها في بره ، وفيها وجهان: أحدهما: أن يمتنع من فعل الخير والإصلاح بين الناس إذا سئل ، فيقول: علي يمين أن لا أفعل ذلك ، أو يحلف بالله في الحال فيعتل في ترك الخير باليمين ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . والثاني: أن يحلف بالله ليفعلن الخير والبر ، فيقصد في فعله البر في يمينه ، لا الرغبة في فعله.
[ ص: 286 ]
وفي قوله:
أن تبروا قولان: أحدهما: أن تبروا في أيمانكم. والثاني: أن تبروا في أرحامكم.
وتتقوا وتصلحوا بين الناس هو الإصلاح المعروف
والله سميع عليم سميع لأيمانكم ، عليم باعتقادكم. قوله تعالى:
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أما اللغو في كلام
العرب ، فهو كل كلام كان مذموما ، وفضلا لا معنى له ، فهو مأخوذ من قولهم: لغا فلان في كلامه إذا قال قبحا ، ومنه قوله تعالى:
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه [القصص: 55] . فأما
لغو اليمين التي لا يؤاخذ الله تعالى بها ، ففيها سبعة تأويلات: أحدها: ما يسبق به اللسان من غير قصد كقوله: لا والله ، وبلى والله ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=16468عبد الله بن ميمون ، عن
عوف الأعرابي ، عن
الحسن بن أبي الحسن قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=936063مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينضلون يعني يرمون ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم ، فقال: أصاب والله ، أخطأت والله ، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله ، فقال: (كلا، أيمان الرماة لغو ولا كفارة ولا عقوبة) . والثاني: أن لغو اليمين ، أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف عليه ، ثم يتبين أنه بخلافه ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. والثالث: أن لغو اليمين أن يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم ، ولكن صلة للكلام ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس. [ ص: 287 ]
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=974715 (لا يمين في غضب). والرابع: أن لغو اليمين أن يحلف بها في المعصية ، فلا يكفر عنها ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=674771 (من نذر فيما لا يملك فلا نذر له ، ومن حلف على معصية فلا يمين له ، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) . والخامس: أن اللغو في اليمين ، إذا دعا الحالف على نفسه ، كأن يقول: إن لم أفعل كذا فأعمى الله بصري ، أو قلل من مالي ، أو أنا كافر بالله ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم. والسادس: أن لغو اليمين هو ما حنث فيه الحالف ناسيا ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي. ثم قوله تعالى:
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن يحلف كاذبا أو على باطل ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي. والثاني: أن يحلف عمدا ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد. والثالث: أنه اعتقاد الشرك بالله والكفر ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد. والله غفور حليم غفور لعباده ، فيما لغوا من أيمانهم ، حليم في تركه مقابلة أهل حسنته بالعقوبة على معاصيهم.
[ ص: 288 ]