[ ص: 38 ] سورة التحريم
مدنية في قول الجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا
قوله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني : أنه عسل شربه النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ، واختلف فيها فروى
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة [ ص: 39 ]
عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنه شربه عند
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه شربه عند
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12309أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنه شربه عند
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، فقال يعني نساؤه عدا من شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير ، وكان يكره أن يوجد منه الريح ، وقلن له : جرست نحلة العرفط ، فحرم ذلك على نفسه ، وهذا قول من ذكرنا .
الثالث : أنها
مارية أم إبراهيم خلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر وقد خرجت لزيارة أبيها ، فلما عادت وعلمت عتبت على النبي صلى الله عليه وسلم فحرمها على نفسه أرضاء
nindex.php?page=showalam&ids=41لحفصة ، وأمرها أن لا تخبر أحدا من نسائه ، فأخبرت به
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة لمصافاة كانت بينهما وكانت تتظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أي تتعاونان ، فحرم
مارية وطلق
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوما ، وكان جعل على نفسه أن يحرمهن شهرا ، فأنزل الله هذه الآية ، فراجع
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة واستحل
مارية وعاد إلى سائر نسائه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي وهو ناقل السيرة . واختلف من قال بهذا ، هل حرمها على نفسه بيمين آلى بها أم لا ، على قولين :
أحدهما : أنه حلف يمينا حرمها بها ، فعوتب في التحريم وأمر بالكفارة في اليمين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي .
الثاني : أنه حرمها على نفسه من غير يمين ، فكان التحريم موجبا لكفارة اليمين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فيه وجهان :
أحدهما : قد بين الله لكم المخرج من أيمانكم .
[ ص: 40 ]
الثاني : قد
قدر الله لكم الكفارة في الحنث في أيمانكم .
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فيه قولان :
أحدهما : أنه أسر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة تحريم ما حرمه على نفسه ، فلما ذكرته
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة وأطلع الله نبيه على ذلك عرفها بعض ما ذكرت ، وأعرض عن بعضه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الثاني : أسر إليها تحريم
مارية ، وقال لها : اكتميه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وكان يومها منه ، وأسرك أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الخليفة من بعدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر الخليفة من بعده ، فذكرتها
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، فلما أطلع الله نبيه
عرف بعضه وأعرض عن بعض فكان الذي عرف ما ذكره من التحريم ، وكان الذي أعرض عنه ما ذكره من الخلافة لئلا ينتشر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : (عرف بعضه) بالتخفف ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : وتأويل قوله : عرف بعضه بالتخفيف أي غضب منه وجازى عليه ،
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يعني بالتوبة اللتين تظاهرتا وتعاونتا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم على سائرهن وهما
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة . وفي (صغت) ثلاثة أقاويل : أحدها : يعني زاغت ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك .
الثاني : مالت ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، قال الشاعر
تصغي القلوب إلى أغر مبارك من نسل عباس بن عبد المطلب
والثالث : أثمت ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13457ابن كامل . وفيما أوخذتا بالتوبة منه وجهان :
أحدهما : من الإذاعة والمظاهرة .
الثاني : من سرورهما بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من التحريم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد .
وإن تظاهرا عليه يعني تعاونا على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن الله هو مولاه يعني وليه
وجبريل يعني وليه أيضا .
[ ص: 41 ] وصالح المؤمنين فيهم خمسة أقاويل : أحدها : أنهم الأنبياء ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وسفيان .
الثاني :
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة : لأنهما كانا أبوي
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة وقد كانا عونا له عليهما .
الثالث : أنه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي .
الرابع : أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الخامس : أنهم الملائكة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد . ويحتمل سادسا : أن صالح المؤمنين من وقى دينه بدنياه .
والملائكة بعد ذلك ظهير يعني أعوانا للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل تحقيق تأويله وجها ثانيا : أنهم المستظهر بهم عند الحاجة إليهم .
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن أما نساؤه فخير نساء الأمة . وفي قوله
خيرا منكن ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني أطوع منكن . والثاني : أحب إليه منكن . والثالث : خيرا منكن في الدنيا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
مسلمات فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني مخلصات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير ونرى ألا يستبيح الرسول إلا مسلمة .
الثاني : يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيرا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الثالث : معناه مسلمات لأمر الله وأمر رسوله ، حكاه ابن كامل .
مؤمنات يعني مصدقات بما أمرن به ونهين عنه .
قانتات فيه وجهان :
أحدهما : مطيعات .
الثاني : راجعات عما يكرهه الله إلى ما يحبه .
[ ص: 42 ] تائبات فيه وجهان :
أحدهما : من الذنوب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الثاني : راجعات لأمر الرسول تاركات لمحاب أنفسهن .
عابدات فيه وجهان :
أحدهما : عابدات لله ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الثاني : متذللات للرسول بالطاعة ، ومنه أخذ اسم العبد لتذلله ، قاله
ابن بحر .
سائحات فيه وجهان :
أحدهما : صائمات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : سمي الصائم سائحا لأنه كالسائح في السفر بغير زاد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : قيل للصائم سائح لأن الذي كان يسيح في الأرض متعبدا لا زاد معه كان ممسكا عن الأكل ، والصائم يمسك عن الأكل ، فلهذه المشابهة سمي الصائم سائحا ، وإن أصل السياحة الاستمرار على الذهاب في الأرض كالماء الذي يسيح ، والصائم مستمر على فعل الطاعة وترك المشتهى ، وهو الأكل والشرب والوقاع . وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان إذا امتنع عن الأكل والشرب والوقاع وسد على نفسه أبواب الشهوات انفتحت عليه أبواب الحكم وتجلت له أنوار المتنقلين من مقام إلى مقام ومن درجة إلى درجة فتحصل له سياحة في عالم الروحانيات .
الثاني : مهاجرات لأنهن بسفر الهجرة سائحات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم .
ثيبات وأبكارا أما الثيب فإنما سميت بذلك لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها ، أو إلى غيره إن فارقها ، وقيل لأنها ثابت إلى بيت أبويها ، وهذا أصح لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوج . وأما البكر فهي العذراء سميت بكرا لأنها على أول حالتها التي خلقت بها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي : أراد بالثيب مثل
آسية امرأة فرعون ، والبكر مثل
مريم بنت عمران . روى
nindex.php?page=showalam&ids=17051خداش عن
حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : وافقت ربي في [ ص: 43 ]
ثلاث ، قلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ، وقلت : يا رسول الله إنك يدخل إليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين ، فأنزل الله آية الحجاب ، وبلغني عن أمهات المؤمنين شيء [فدخلت عليهن فقلت] : لتكفن عن رسول الله أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن حتى دخلت على إحدى أمهات المؤمنين فقالت : يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ، فأمسكت فأنزل الله تعالى : عسى ربه إن طلقكن الآية .