ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين
قوله عز وجل:
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه هو
النمرود بن كنعان ، وهو أول من تجبر في الأرض وادعى الربوبية.
أن آتاه الله الملك فيه قولان: أحدهما: هو
النمرود لما أوتي الملك حاج في الله تعالى ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والثاني: هو
إبراهيم لما آتاه الله الملك حاجه
النمرود ، قاله
أبو حذيفة. وفي المحاجة وجهان محتملان: أحدهما: أنه معارضة الحجة بمثلها. والثاني: أنه الاعتراض على الحجة بما يبطلها.
[ ص: 330 ] إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت يريد أنه يحيي من وجب عليه القتل بالتخلية والاستبقاء ، ويميت بأن يقتل من غير سبب يوجب القتل ، فعارض اللفظ بمثله ، وعدل عن اختلاف الفعلين في علتهما.
قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فإن قيل: فلم عدل
إبراهيم عن نصرة حجته الأولى إلى غيرها ، وهذا يضعف الحجة ولا يليق بالأنبياء؟ ففيه جوابان: أحدهما: أنه قد ظهر من فساد معارضته ما لم يحتج معه إلى نصرة حجته ثم أتبع ذلك بغيره تأكيدا عليه في الحجة. والجواب الثاني: أنه لما كان في تلك الحجة إشغاب منه بما عارضها به من الشبهة أحب أنه يحتج عليه بما لا إشغاب فيه ، قطعا له واستظهارا عليه قال:
فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فإن قيل: فهلا عارضه
النمرود بأن قال: فليأت بها ربك من المغرب؟ ففيه جوابان: أحدهما: أن الله خذله بالصرف عن هذه الشبهة. والجواب الثاني: أنه علم بما رأى معه من الآيات أنه يفعل فخاف أن يزداد فضيحة.
فبهت الذي كفر فيه قولان: أحدهما: يعني تحير. والثاني: معناه انقطع ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة. وقرئ: (فبهت الذي كفر) بفتح الباء والهاء بمعنى أن الملك قد بهت
إبراهيم بشبهته أي سارع بالبهتان.
والله لا يهدي القوم الظالمين يحتمل وجهين: أحدهما: لا يعينهم على نصرة الظلم. والثاني: لا يخلصهم من عقاب الظلم. ويحتمل الظلم هنا وجهين: أحدهما: أنه الكفر خاصة. والثاني: أنه التعدي من الحق إلى الباطل.
[ ص: 331 ]