إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين [ ص: 82 ] قوله تعالى:
إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ،
قرأ الكسائي وحده هل تستطيع ربك بالتاء والإدغام ، وربك بالنصب ، وفيها وجهان: أحدهما: معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . والثاني: هل تستطيع أن تسأل ربك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة. وقرأ الباقون
هل يستطيع ربك بالياء والإظهار ، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه: أحدها: هل يقدر ربك ، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى. والثاني: معناه هل يفعل ربك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم. والثالث: معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك.
أن ينزل علينا مائدة من السماء قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال
قطرب : والمائدة لا تكون مائدة حتى يكون عليها طعام ، فإن لم يكن قيل: خوان ، وفي تسميتها مائدة وجهان: أحدهما: لأنها تميد ما عليها أي تعطي ، قال
رؤبة ... ... ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطي. والثاني: لحركتها بما عليها من قولهم: ماد الشيء إذا مال وتحرك ، قال الشاعر
لعلك باك إن تغنت حمامة يميد غصن من الأيك مائل
قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيه قولان:
[ ص: 83 ] أحدهما: يعني اتقوا معاصي الله إن كنتم مؤمنين به ، وإنما أمرهم بذلك لأنه أولى من سؤالهم. والثاني: يعني اتقوا الله في سؤال الأنبياء إما طلبا لعنتهم وإما استزادة للآيات منهم ، إن كنتم مؤمنين بهم ومصدقين لهم لأن ما قامت به دلائل صدقهم يغنيكم عن استزادة الآيات منهم. قوله تعالى:
قالوا نريد أن نأكل منها وهذا اعتذار منهم بينوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه فقالوا:
نريد أن نأكل منها يحتمل وجهين:
[ ص: 84 ] أحدهما: أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها. والثاني: أنهم أرادوه تبركا بها لا لحاجة دعتهم إليها ، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال.
وتطمئن قلوبنا يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيا. والثاني: تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لك أعوانا. والثالث: تطمئن إلى أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا.
ونعلم أن قد صدقتنا في أنك نبي إلينا ، وذلك على الوجه الأول. وعلى الوجه الثاني: صدقتنا في أننا أعوان لك. وعلى الوجه الثالث: أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا. وفي قولهم
ونعلم وجهان: أحدهما: أنه علم مستحدث لهم بهذه الآية بعد أن لم يكن ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان قبل استحكام المعرفة. والثاني: أنهم استزادوا بذلك علما إلى علمهم ويقينا إلى يقينهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان بعد التصديق والمعرفة.
ونكون عليها من الشاهدين يحتمل وجهين. أحدهما: من الشاهدين لك عند الله بأنك قد أديت ما بعثك به إلينا. والثاني: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدناه من الآيات الدالة على أنك نبي إليهم وإلينا. قوله تعالى:
قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضا عن حرف النداء ، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المعوضة منه أغنت عنه ، فأما قول الشاعر
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم
أردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما
فلأن ضرورة الشعر جوزته. سأل
عيسى ربه ، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه ، وفي سؤاله وجهان: أحدهما: أنه تفضل عليهم بالسؤال ، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة. والثاني: أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة.
تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وقيل: إن المائدة أنزلت عليهم في يوم الأحد غداة وعشية ، ولذلك جعلوا الأحد عيدا. والثاني: معناه عائدة من الله تعالى علينا ، وبرهانا لنا ولمن بعدنا. والثالث: يعني نأكل منها جميعا ، أولنا وآخرنا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وآية منك يعني علامة الإعجاز الدالة على توحيدك وقيل التي تدل على صدق أنبيائك.
[ ص: 85 ] الشكر على ما أنعمت به علينا من إجابتك ، وقيل: ارزقنا ذلك من عندك. قوله تعالى:
قال الله إني منزلها عليكم وهذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال
عيسى كما كان سؤال
عيسى إجابة للحواريين. واختلفوا في
نزول المائدة على ثلاثة أقاويل. أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه ، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . والثاني: أنهم سألوا ووعدهم بالإجابة ، فلما قال لهم:
فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين استعفوا منها فلم تنزل عليهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والثالث: أنهم سألوا فأجابهم ، ولم يستعفوا ، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم ، ثم أنزلها عليهم ، لأنه قد وعدهم ، ولا يجوز أن يخلف وعده. ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل: أحدها: أنه كان عليها ثمار الجنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . والثاني: أنه كان عليها خبز ولحم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر . والثالث: أنه كان عليها سبعة أرغفة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12423إسحاق بن عبد الله . والرابع: كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
وعطية. والخامس: كان عليها كل طعام إلا اللحم ، قاله
ميسرة . والسادس: رغيفان وحوتان ، أكلوا منها أربعين يوما في سفرة ، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف ، قاله
جويبر . وأمروا أن يأكلوا منها ولا يخونوا ولا يدخروا ، فخانوا وادخروا فرفعت. وفي قوله تعالى:
عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قولان: أحدهما: يعني من عالمي زمانهم.
[ ص: 86 ] والثاني: من سائر العالمين كلهم. وفيهم قولان: أحدهما: هو أن يمسخهم قردة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . والثاني: أنه جنس من العذاب لا يعذب به غيرهم لأنهم كفروا بعد أن رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم ، فكانوا أعظم كفرا فصاروا أعظم عذابا. وهل هذا العذاب في الدنيا أو في الآخرة؟ قولان: وفي الحواريين قولان: أحدهما: أنهم خواص الأنبياء. والثاني: أنهم المندوبون لحفظ شرائعهم إما بجهاد أو علم. وفي تسميتهم بذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: لبياض ثيابهم ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، تشبيها بما هم عليه من نقاء سرائرهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ، وهو بلغة القبط حواري. والثاني: لنظافة ثيابهم وطهارتها بطهارة قلوبهم. والثالث: بجهادهم عن أنبيائهم ، قال الشاعر
ونحن أناس نملأ البيد مأمنا ونحن حواريون حين نزاحف