صفحة جزء
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين

قوله عز وجل: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت وفي اعتدائهم في السبت قولان: [ ص: 135 ]

أحدهما: أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال، وهذا قول الحسن . والثاني: أنهم حبسوها في يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، والسبت هو اليوم المعروف. وفي تسميته بذلك أربعة أقاويل: أحدها: أن السبت هو اسم للقطعة من الدهر فسمي ذلك اليوم به، وهذا قول الزجاج. والثاني: أنه سمي بذلك لأنه سبت خلق كل شيء، أي قطع وفرغ منه، وهذا قول أبي عبيدة. والثالث: أنه سمي بذلك، لأن اليهود يسبتون فيه، أي يقطعون فيه الأعمال. والرابع: أن أصل السبت، الهدوء والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده، كما قال تعالى: وجعلنا نومكم سباتا فسمي به اليوم لاستراحة اليهود فيه. وفي قوله عز وجل: فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين قولان: أحدهما: مسخوا قردة، فصاروا لأجل اعتدائهم في السبت في صورة القردة المخلوقين من قبل، في الأيام الستة. قال ابن عباس : لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب. والثاني: وهو قول مجاهد: أنهم لم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم، كما قال تعالى: كمثل الحمار يحمل أسفارا [الجمعة: 5] . وفي قوله تعالى: خاسئين تأويلان: أحدهما: أن الخاسئ المبعد المطرود، ومنه قولهم: خسأت الكلب، إذا باعدته وطردته. [ ص: 136 ]

والثاني: أن معناه أذلاء صاغرون، وهذا قول مجاهد.

وروي عن ابن عباس : خاسئا أي ذليلا. قوله تعالى: فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وفي المجعول نكالا، ستة أقاويل: أحدها: أنها العقوبة. والثاني: أنها الحيتان. والثالث: أنها القرية التي اعتدى أهلها. والرابع: أنهم الأمة الذين اعتدوا، وهم أهل أيلة. والخامس: أنهم الممسوخون قردة. والسادس: أنهم القردة الممسوخ على صورهم. وفي قوله تعالى: نكالا ثلاثة تأويلات: أحدها: عقوبة، وهو قول ابن عباس . والثاني: عبرة ينكل بها من رآها. والثالث: أن النكال الاشتهار بالفضيحة. وفي قوله تعالى: لما بين يديها وما خلفها خمسة تأويلات: أحدها: ما بين يديها وما خلفها من القرى، وهذه رواية عكرمة عن ابن عباس . والثاني: ما بين يديها يعني من بعدهم من الأمم، وما خلفها، الذين كانوا معهم باقين، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس . والثالث: ما بين يديها، يعني من دونها، وما خلفها، يعني لمن يأتي بعدهم من الأمم، وهذا قول السدي. والرابع: لما بين يديها من ذنوب القوم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، وهذا قول قتادة. والخامس: ما بين يديها ما مضى من خطاياهم، وما خلفها: خطاياهم التي أهلكوا بها، وهذا قول مجاهد. [ ص: 137 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية