وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد [ ص: 142 ] مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال
قوله عز وجل:
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب معناه وأنذرهم باليوم الذي يأتيهم فيه العذاب ، يعني يوم القيامة. وإنما خصه بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب أيضا لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي وإن تضمن ترغيبا للمطيع.
فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل طلبوا رجوعا إلى الدنيا حين ظهر لهم الحق في الآخرة ليستدركوا فارط ذنوبهم ، وليست الآخرة دار توبة فتقبل توبتهم ، كما ليست بدار تكليف فيستأنف تكليفهم. فأجابهم الله تعالى عن هذا الطلب فقال:
أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال فيه وجهان: أحدهما: ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
الثاني: ما لكم من زوال عن العذاب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن. قوله عز وجل:
وقد مكروا مكرهم فيه قولان: أحدهما: أنه عنى بالمكر الشرك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الثاني: أنه عنى به العتو والتجبر ، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هو
النمرود بن كنعان بن سنحاريب بن حام بن نوح بنى الصرح في قرية
الرس من سواد
الكوفة ، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعا وصعد منه مع النسور ، فلما علم أنه لا سبيل إلى السماء اتخذه حصنا وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه ، فأتى الله بنيانه من القواعد ، فتداعى الصرح عليهم ، فهلكوا جميعا، فهذا معنى قوله
وقد مكروا مكرهم [ ص: 143 ] وعند الله مكرهم فيه وجهان: أحدهما: وعند الله مكرهم عالما به لا يخفى عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14387علي بن عيسى.
الثاني: وعند الله مكرهم محفوظا عليهم حتى يجازيهم عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فيه قراءتان. إحداهما: بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، ومعناها وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، احتقارا له ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن.
الثانية: بفتح اللام الأولى وضم الثانية ، ومعناها وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال استعظاما له. قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب رضي الله عنهم وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال وفي
الجبال التي عنى زوالها بمكرهم قولان: أحدهما: جبال الأرض.
الثاني: الإسلام والقرآن ؛ لأنه لثبوته ، ورسوخه كالجبال.