صفحة جزء
قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله الآية .

أخرج أبو داود، والنسائي ، عن ابن عباس في قوله : إنما جزاء [ ص: 280 ] الذين يحاربون الله ورسوله قال : نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد، إن قتل أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدروا عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه .

وأخرج ابن جرير ، والطبراني في (الكبير)، عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فخير الله نبيه فيهم، إن شاء أن يقتل، وإن شاء صلب، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأما النفي فهو الهرب في الأرض، فإن جاء تائبا فدخل في الإسلام قبل منه، ولم يؤخذ بما سلف .

وأخرج ابن مردويه ، عن سعد قال : نزلت هذه الآية في الحرورية : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية .

وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والنحاس [ ص: 281 ] في (ناسخه)، والبيهقي في (الدلائل)، عن أنس ، أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، واجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها، وألبانها، فقتلوا راعيها، واستاقوها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، ولم يحسمهم، وتركهم حتى ماتوا، فأنزل الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية .

وأخرج أبو داود، والنسائي ، وابن جرير عن ابن عمر قال : نزلت آية المحاربين في العرنيين .

وأخرج ابن جرير ، عن جرير قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة [ ص: 282 ] حفاة، مضرورين، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صحوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح، ثم خرخوا باللقاح عامدين بها إلى أرض قومهم، قال جرير : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين، فقدمنا بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم، فأنزل الله هذه الآية : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية .

وأخرج ابن جرير ، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر من العرنيين، وهم من بجيلة، قال أنس : فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القضاء في من حارب، فقال : من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل، واستحل الفرج الحرام فاصلبه .

وأخرج الحافظ عبد الغني بن سعيد في (إيضاح الإشكال)، من طريق أبي قلابة، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : (هم من عكل) .

وأخرج عبد الرزاق ، عن أبي هريرة قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من بني فزارة قد ماتوا هزلا، فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه، فشربوا منها حتى صحوا، ثم عمدوا إلى لقاحه فسرقوها، فطلبوا، فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم، وأرجلهم وسمر أعينهم، قال أبو هريرة : فيهم نزلت هذه الآية : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : فترك النبي صلى الله عليه وسلم سمر الأعين بعد .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال : كان ناس من بني سليم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وهم كذبة، ثم قالوا : إنا نجتوي المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح، فاشربوا من أبوالها وألبانها)، فبينما هم كذلك إذ جاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : قتلوا الراعي، وساقوا النعم، فركبوا في أثرهم، فرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، فقتل نبي الله صلى الله عليه وسلم منهم، وصلب، وقطع، وسمل الأعين، قال : فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، ونهى عن المثلة وقال : (لا [ ص: 284 ] تمثلوا بشيء) .

وأخرج مسلم، والنحاس في (ناسخه)، والبيهقي عن أنس قال : إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين أولئك، لأنهم سملوا أعين الرعاة .

وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، قال : نزلت في سودان عرينة، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم، فخرجوا إلى إبل الصدقة، فقال : (اشربوا من ألبانها وأبوالها)، فشربوا حتى إذا صحوا وبرئوا قتلوا الرعاة، واستاقوا الإبل، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم، فأراد أن يسمل أعينهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزل الله .

وأخرج ابن جرير ، عن الوليد بن مسلم قال : ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينهم، وتركه حسمهم، حتى ماتوا، فقال : سمعت محمد بن عجلان يقول : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك، وعلمه عقوبة مثلهم من القطع، والقتل، والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم، قال : وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو، فأنكر أن تكون نزلت [ ص: 285 ] معاتبة، وقال : بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم، فرفع عنه السمل .

وأخرج البيهقي في "سننه"، عن محمد بن عجلان، عن أبي الزناد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله في ذلك، فأنزل الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية .

وأخرج الشافعي في (الأم)، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، قال : إذا خرج المحارب فأخذ المال، ولم يقتل قطع من خلاف، وإذا خرج فقتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا خرج وأخذ المال وقتل قتل وصلب، وإذا خرج فأخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في (ناسخه)، عن ابن عباس في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، قال : من شهر السلاح في قبة الإسلام، وأفسد السبيل، فظهر عليه وقدر، فإمام [ ص: 286 ] المسلمين مخير فيه، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال : أو ينفوا من الأرض يهربوا، يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب .

وأخرج أبو داود، والنسائي ، والنحاس في (ناسخه)، والبيهقي عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم، أو رجل قتل متعمدا فيقتل، أو رجل خرج من الإسلام فحارب، فيقتل، أو يصلب، أو ينفى من الأرض) .

وأخرج الخرائطي في (مكارم الأخلاق) عن ابن عباس ، أن قوما من عرينة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، وكان منهم مواربة، قد شلت أعضاؤهم، واصفرت وجوههم، وعظمت بطونهم، فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبل الصدقة، يشربون من أبوالها وألبانها، فشربوا حتى صحوا وسمنوا، فعمدوا إلى راعي النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوه، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، وجاء جبريل فقال : يا محمد، ابعث في آثارهم، فبعث، ثم قال : ادع بهذا الدعاء : اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، والمشرق مشرقك، والمغرب مغربك، اللهم ضيق عليهم الأرض برحبها حتى تجعلها عليهم أضيق من مسك حمل، حتى [ ص: 287 ] تقدرني عليهم، فجاؤوا بهم، فأنزل الله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، فأمره جبريل أن من أخذ المال، وقتل يصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال يقتل، ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده ورجله من خلاف، وقال ابن عباس : هذا الدعاء لكل آبق، ولكل من ضلت له ضالة من إنسان وغيره، يدعو بهذا الدعاء، ويكتب في شيء، ويدفن في مكان نظيف إلا قدره الله عليه .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة ، وعطاء الخراساني في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، قالا : هذا اللص الذي يقطع الطريق، فهو محارب، فإن قتل وأخذ مالا صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالا قتل، وإن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله، وإن أخذ قبل أن يفعل شيئا من ذلك نفي، وأما قوله : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فهؤلاء أهل الشرك خاصة، ومن أصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب، فأخذ مالا أو أصاب دما، ثم تاب من قبل أن يقدر عليه، أهدر عنه ما مضى .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن عطاء، ومجاهد ، قالا : الإمام في ذلك مخير أي ذلك شاء فعل، إن شاء قطع، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى . [ ص: 288 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، عن سعيد بن المسيب، والحسن ، والضحاك في الآية قالوا : الإمام مخير في المحارب يصنع به ما شاء .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الضحاك ، قال : كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخير الله نبيه فيهم، إن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض ، قال : هو أن يطلبوا حتى يعجزوا، فمن تاب قبل أن يقدروا عليه قبل ذلك منه .

وأخرج أبو داود في (ناسخه) عن الضحاك قال : نزلت هذه الآية في المشركين .

وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : نفيه أن يطلب .

وأخرج ابن جرير ، عن أنس بن مالك قال : نفيه أن يطلبه الإمام حتى يأخذه، فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله، بما استحل .

وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن في قوله : أو ينفوا من الأرض قال : من بلد إلى بلد .

وأخرج ابن جرير ، عن الحسن قال : ينفى حتى يقدر عليه . [ ص: 289 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الزهري في قوله : أو ينفوا من الأرض قال : نفيه أن يطلب فلا يقدر عليه، كلما سمع به في أرض طلب .

وأخرج ابن جرير ، عن الربيع بن أنس في الآية قال : يخرجوا من الأرض، أينما أدركوا أخرجوا، حتى يلحقوا بأرض العدو .

وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير في الآية قال : من أخاف سبيل المسلمين نفي من بلده إلى غيره .

وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : ويسعون في الأرض فسادا قال : الزنا، والسرقة، وقتل النفس، وإهلاك الحرث والنسل .

وأخرج ابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ، وسعيد بن جبير، قالا : إن جاء تائبا لم يقتطع مالا، ولم يسفك دما، فذلك الذي قال الله : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في كتاب (الأشراف)، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر [ ص: 290 ] التميمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا، فأبوا، فأتى سعيد بن قيس الهمداني، فأتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين، ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا؟ قال : أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ثم قال : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فقال سعيد : وإن كان حارثة بن بدر؟ قال : وإن كان حارثة بن بدر، فقال : هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا، فهو آمن؟ قال : نعم، قال : فجاء به إليه فبايعه، وقبل ذلك منه، وكتب له أمانا .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن أشعث، عن رجل قال : صلى رجل مع أبي موسى الأشعري الغداة، ثم قال : هذا مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، إني كنت ممن حارب الله ورسوله، وجئت تائبا من قبل أن يقدر علي، فقال أبو موسى : إن فلان بن فلان كان ممن حارب الله ورسوله، وجاء تائبا من قبل أن يقدر عليه، فلا يعرض له أحد إلا بخير، فإن يك صادقا فسبيلي ذلك، وإن يك كاذبا فلعل الله أن يأخذه بذنبه . [ ص: 291 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن عطاء أنه سئل عن رجل سرق سرقة، فجاء تائبا من غير أن يؤخذ عليه، هل عليه حد؟ قال : لا، ثم قال : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم الآية .

وأخرج أبو داود، في (ناسخه)، عن السدي في قوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : سمعنا أنه إذا قتل قتل، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده بالمال، ورجله بالمحاربة، وإذا قتل وأخذ المال قطعت يده ورجلاه وصلب : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فإن جاء تائبا إلى الإمام قبل أن يقدر عليه، فأمنه الإمام، فهو آمن، فإن قتله بعد إنسان يعلم أن الإمام قد أمنه، قتل به، فإن قتله وهو لا يعلم أن الإمام قد أمنه كانت الدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية