ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء
فإن قلت: يتعالى الله عن السهو والغفلة، فكيف يحسبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أعلم الناس به غافلا حتى قيل:
ولا تحسبن الله غافلا ؟
قلت: إن كان خطابا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففيه وجهان:
أحدهما: التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا، كقوله:
ولا تكونن من المشركين [يونس: 105]،
ولا تدع مع الله إلها آخر [القصص: 88]، كما جاء في الأمر:
خبيرا يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله [النساء: 136] .
والثاني: أن المراد بالنهي عن حسبانه غافلا، الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون، لا يخفي عليه منه شيء، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد; كقوله:
والله بما تعملون عليم [البقرة: 283]، يريد: الوعيد، ويجوز أن يراد: ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم، المحاسب على النقير والقطمير، وإن كان خطابا لغيره ممن يجوز أن يحسبه غافلا، لجهله بصفاته، فلا سؤال فيه، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : تسلية للمظلوم وتهديد للظالم، فقيل له: من قال هذا ؟ فغضب وقال: إنما قاله من علمه، وقرئ: "نؤخرهم" بالنون والياء،
تشخص فيه الأبصار أي: أبصارهم لا تقر في أماكنها من هول ما ترى،
مهطعين : مسرعين إلى الداعي، وقيل: الإهطاع أن تقبل ببصرك على المرئي تديم النظر إليه لا تطرف،
مقنعي رءوسهم : رافعيها،
لا يرتد إليهم طرفهم : لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم، أي: لا يطرفون، ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة
[ ص: 390 ] غير تحريك للأجفان، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم، الهواء: الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، فوصف به فقيل: قلب فلان هواء: إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جرأة، ويقال للأحمق -أيضا-: قلبه هواء، قال
زهير [من الوافر]:
................................ ... من الظلمان جؤجؤه هواء
لأن النعام مثل في الجبن والحمق، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان [من الوافر]:
................................ ... فأنت مجوف نخب هواء
[ ص: 391 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : "أفئدتهم هواء": صفر من الخير خاوية منه، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : جوف لا عقول لهم.