أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون
فإن قلت: "من لا يخلق" أريد به الأصنام، فلم جيء بمن الذي هو لأولي العلم ؟
[ ص: 430 ] قلت: فيه أوجه:
أحدها: أنهم سموها آلهة وعبدوها، فأجروها مجرى أولي العلم، ألا ترى إلى قوله على أثره:
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [النحل: 20] .
والثاني: المشاكلة بينه وبين من يخلق.
والثالث: أن يكون المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم، فكيف بما لا علم عنده; كقوله:
ألهم أرجل يمشون بها [الأعراف: 195]، يعني: أن الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب، لأن هؤلاء أحياء وهم أموات، فكيف تصح لهم العبادة ؟ لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا.
فإن قلت: هو إلزام للذين عبدوا الأوثان، وسموها آلهة تشبيها بالله، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق، فكان حق الإلزام أن يقال لهم: أفمن لا يخلق كمن يخلق ؟
قلت: حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له وسووا بينه وبينه، فقد جعلوا الله تعالى من جنس المخلوقات وشبيها بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله:
أفمن يخلق كمن لا يخلق .