وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا وكذلك بعثناهم : وكما أنمناهم تلك النومة كذلك بعثناهم، ادكارا بقدرته على الإنامة والبعث جميعا ليسأل بعضهم بعضا ويعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا، ويستدلوا على عظم قدرة الله تعالى ويزدادوا يقينا، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم وكرموا به،
قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم : جواب مبني على غالب الظن، وفيه دليل على
جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب، وأنه لا يكون كذبا وإن جاز أن يكون خطأ،
قالوا ربكم أعلم بما لبثتم : إنكار عليهم من بعضهم، وأن الله أعلم بمدة لبثهم، كأن هؤلاء قد علموا بالأدلة أو بإلهام من الله أن المدة متطاولة، وأن مقدارها مبهم لا يعلمه إلا الله، وروي أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال، فظنوا أنهم في يومهم، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك.
فإن قلت: كيف وصلوا قولهم: "فابعثوا" بتذاكر حديث المدة ؟
قلت : كأنهم قالوا: ربكم أعلم بذلك، لا طريق لكم إلى علمه، فخذوا في شيء آخر مما يهمكم، والورق: الفضة، مضروبة كانت أو غير مضروبة، ومنه الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664062أن عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ أنفا من ذهب، وقرئ : "بورقكم": بسكون الراء والواو مفتوحة أو مكسورة، وقرأ
[ ص: 573 ] nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : "بورقكم" بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف، وعن
ابن محيصن أنه كسر الواو وأسكن الراء وأدغم، وهذا غير جائز; لالتقاء الساكنين لا على حده، وقيل: المدينة
طرسوس، قالوا: وتزودهم ما كان معهم من الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح المسافر هو رأي المتوكلين على الله، دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية القوم من النفقات، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها لمن سألها عن محرم يشد عليه هميانه: أوثق عليك نفقتك، وما حكي عن بعض صعاليك العلماء أنه كان شديد الحنين إلى أن يرزق حج
بيت الله، وتعولم منه ذلك، فكانت مياسير أهل بلده كلما عزم منهم فوج على حج أتوه فبذلوا له أن يحجوا به وألحوا عليه، فيعتذر إليهم ويحمد إليهم بذلهم، فإذا انفضوا عنه قال لمن عنده: ما لهذا السفر إلا شيآن: شد الهميان، والتوكل على الرحمن، أيها : أي: أهلها، فحذف الأهل كما في قوله:
واسأل القرية [يوسف: 82]،
أزكى طعاما : أحل وأطيب وأكثر وأرخص،
وليتلطف : وليتكلف اللطف والنيقة فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن، أو في أمر التخفي حتى لا يعرف،
ولا يشعرن بكم أحدا : يعني: ولا يفعلن ما يؤدي من
[ ص: 574 ] غير قصد منه إلى الشعور بنا، فسمى ذلك إشعارا منه بهم ; لأنه سبب فيه ، الضمير في "إنهم": راجع إلى الأهل المقدر في: "أيها"،
يرجموكم : يقتلوكم أخبث القتلة وهي الرجم، وكانت عادتهم،
أو يعيدوكم : أو يدخلوكم،
في ملتهم : بالإكراه العنيف ويصيروكم إليها، والعود في معنى الصيرورة أكثر شيء في كلامهم، يقولون: ما عدت أفعل كذا، يريدون ابتداء الفعل،
ولن تفلحوا إذا أبدا : إذ دخلتم في دينهم.