إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا "من" موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة ، وقوعها بعد رب في قوله [من الرمل ] :
شع رب من أنضجت غيظا صدره
[ ص: 60 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وأبو حيوة : "آت الرحمن " : على أصله قبل الإضافة ، الإحصاء" الحصر والضبط ، يعني : حصرهم بعلمه وأحاط بهم ،
وعدهم عدا : الذين اعتقدوا في الملائكة
وعيسى وعزير أنهم أولاد الله ، كانوا بين كفرين ، أحدهما : القول بأن الرحمن يصح أن يكون والدا ، والثاني : إشراك الذين زعموهم لله أولادا في عبادته ، كما يخدم الناس أبناء الملوك خدمتهم لآبائهم ، فهدم الله الكفر الأول فيما تقدم من الآيات ، ثم عقبه بهدم الكفر الآخر ، والمعنى : ما من معبود لهم في السماوات والأرض من الملائكة من الناس إلا وهو يأتي الرحمن ، أي : يأوي إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاشعا خاشيا راجيا ، كما يفعل العبيد وكما يجب عليهم ، لا يدعي لنفسه ما يدعيه له هؤلاء الضلال ؛ ونحوه قوله تعالى :
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء : 57 ] ، وكلهم متقلبون في ملكوته مقهورون بقهره وهو مهيمن عليهم محيط بهم ويحمل أمورهم وتفاصيلها وكيفيتهم وكميتهم ، لا يفوته شيء من أحوالهم ، وكل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردا ليس معه من هؤلاء المشركين أحد وهم برآء منهم .