[ ص: 63 ] سورة طه
مكية [إلا آيتي 130 و131 فمدنيتان ]
وهي 135 آية [نزلت بعد مريم ]
بسم الله الرحمن الرحيم
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا "طه " :
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو ؛ فخم الطاء لاستعلائها ، وأمال الهاء وفخمها
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر على الأصل ، والباقون أمالوهما ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن -رضي الله عنه - : "طه " ، وفسر بأنه أمر بالوطء ،
وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه ، فأمر بأن يطأ الأرض بقدميه معا . وأن الأصل طأ ، فقلبت همزته هاء ، أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال
[ ص: 64 ] [من الكامل ] :
لا هناك المرتع
ثم بني عليه الأمر ، والهاء للسكت ، ويجوز أن يكتفي بشطري الاسمين ، وهما : الدالان بلفظهما على المسميين ، والله أعلم بصحة ما يقال : إن "طاها " : في لغة عك في معنى : يا رجل ، ولعل عكا تصرفوا في : "يا هذا" كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء ، فقالوا في"يا " : "طا " ، واختصروا هذا فاقتصروا على ها ، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به [من البسيط ] :
إن السفاهة طاها في خلائقكم لا قدس الله أخلاق الملاعين
[ ص: 65 ] الأقوال الثلاثة في الفواتح ، أعني : التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل ، هي التي يعول عليها الألباء المتقنون ،
"ما أنزلنا " : إن جعلت
"طه " : تعديدا لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام ، وإن جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها ، وهي في موضع المبتدأ ، و
"القرآن " : ظاهر أوقع موقع الضمير ؛ لأنها قرآن ، وأن يكون جوابا لها وهي قسم ، وقرئ : "ما نزل عليك القرآن" "لتشقى لتتعب ، بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا ؛ كقوله تعالى :
لعلك باخع نفسك [الشعراء : 3 ] ، والشقاء يجيء في معنى : التعب ، ومنه المثل : أشقى من رائض مهر ، أي : ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر ، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة ، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة ، وقيل : إن
أبا جهل والنضر بن الحارث ، قالا له : إنك شقي ؛ لأنك تركت دين آبائك ، فأريد رد ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز ، والسبب في درك كل سعادة ، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها ، وروي
أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى بالليل حتى اسمغدت قدماه ، فقال له جبريل -عليه السلام - : أبق على نفسك ؛ فإن لها عليك حقا ، أي : ما أنزلناه لتنهك نفسك
[ ص: 66 ] بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة ، وكل واحد من
"لتشقى " ، و
"تذكرة " : علة للفعل ، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام ؛ لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية ، والثاني : جاز قطع اللام عنه ، ونصبه ؛ لاستجماعه الشرائط .
فإن قلت : أما يجوز أن تقول : ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى ؛ كقوله تعالى :
أن تحبط أعمالكم ؟ [الحجرات : 2 ] قلت : بلى ، ولكنها نصبة طارئة ، كالنصبة في :
واختار موسى قومه ، وأما النصبة في تذكرة ، فهي كالتي في : ضربت زيدا ؛ لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها .
فإن قلت : هل يجوز أن يكون
"تذكرة " : بدلا من محل :
"لتشقى" ؟
قلت : لا ؛ لاختلاف الجنسين ، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي " إلا " فيه بمعنى : "لكن " ، ويحتمل أن يكون المعنى : إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ، ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة ، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالا ومفعولا له ،
"لمن يخشى " : لمن يؤول أمره إلى الخشية ، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيمانا وبالقسوة خشية ، في نصب :
" تنزيلا" وجوه : أن يكون بدلا من تذكرة إذا جعل حالا ، لا إذا كان مفعولا له ؛ لأن الشيء لا يعلل بنفسه ، وأن ينصب بنزل مضمرا ، وأن ينصب بأنزلنا ؛ لأن معنى : ما أنزلناه إلا تذكرة : أنزلنا تذكرة ، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب بيخشى مفعولا به ، أي : أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله ، وهو معنى حسن وإعراب بين ، وقرئ : "تنزيل " : بالرفع على خبر مبتدأ محذوف ، ما بعد "تنزيلا" إلى قوله :
له الأسماء الحسنى ؛ تعظيم وتفخيم لشأن المنزل ، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته ، ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما :
"تنزيلا" نفسه فيقع
[ ص: 67 ] صلة له ، وإما محذوفا فيقع صفة له .
فإن قلت : ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب ؟
قلت : غير واحدة منها عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة ، ومنها أن هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة ، ومنها أنه قال أولا : " أنزلنا " ، ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع ، ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين ، ويجوز أن يكون : " أنزلنا " : حكاية لكلام
جبريل والملائكة النازلين معه ، وصف السماوات بالعلا : دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها .