قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
خاطب الاثنين ، ووجه النداء إلى أحدهما وهو
موسى ، لأنه الأصل في النبوة ،
وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته على استدعاء كلام
موسى دون كلام أخيه ؛ لما عرف من فصاحة
هارون والرتة في لسان
موسى ؛ ويدل عليه قوله :
أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين [الزخرف : 52 ] ، " خلقهن " : أول مفعولي أعطى ، أي : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، أو ثانيهما ، أي : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ؛ وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان : كل
[ ص: 86 ] واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة ، غير ناب عنه ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة ، حيث جعل الحصان والحجر زوجين ، والبعير والناقة ، والرجل والمرأة ، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه ، وقرئ : "خلقه " : صفة للمضاف أو للمضاف إليه ، أي : كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه ،
ثم هدى أي : عرف كيف يرتفق بما أعطى ، وكيف يتوصل إليه ، ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه ، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق .