قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى "لكبيركم " : لعظيمكم ، يريد : أنه أسحرهم وأعلاهم درجة في صناعتهم ، أو لمعلمكم ؛ من قول أهل
مكة للمعلم : أمرني كبيري ، وقال لي كبيري : كذا ، يريدون : معلمهم وأستاذهم في القرآن وفي كل شيء ، قرئ : "فلأقطعن" "ولأصلبن" بالتخفيف ، والقطع من خلاف : أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ؛ لأن كل واحد من العضوين خالف الآخر ، بأن هذا يد وذاك رجل ، وهذا يمين وذاك شمال ، و " من " : لابتداء الغاية ؛ لأن القطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو العضو ، لا من وفاقه إياه ، ومحل الجار
[ ص: 97 ] والمجرور النصب على الحال ، أي : لأقطعنها مختلفات ؛ لأنها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف ، شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه ؛ فلذلك قيل :
في جذوع النخل .
"أينا " : يريد نفسه لعنه الله
وموسى -صلوات الله عليه- بدليل قوله :
آمنتم له ، واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله تعالى ؛ كقوله تعالى :
يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة : 61 ] وفيه نفاجة باقتداره وقهره ، وما ألفه وضري به : من تعذيب الناس بأنواع العذاب ، وتوضيع
لموسى -عليه السلام- واستضعاف له مع الهزء به ؛ لأن
موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء .