ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما
يقال في أوامر الملوك ووصاياهم : تقدم الملك إلى فلان وأوعز إليه ، وعزم عليه ، وعهد إليه ، عطف الله -سبحانه- قصة
آدم على قوله :
وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون [طه : 113 ] ، والمعنى : وأقسم قسما : لقد أمرنا أباهم
آدم ووصيناه ألا يقرب الشجرة ، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها ؛ وذلك من قبل وجودهم ومن قبل أن نتوعدهم ، فخالف إلى ما نهي عنه ، وتوعد في ارتكابه مخالفتهم ، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون ، كأنه يقول : إن أساس أمر بني
آدم على ذلك ، وعرقهم راسخ فيه .
فإن قلت : ما المراد بالنسيان ؟
[ ص: 113 ] قلت : يجوز أن يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر ، وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ، ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس ، حتى تولد من ذلك النسيان ، وأن يراد الترك وأنه ترك ما وصي به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها ، وقرئ : "فنسي " ، أي : نساه الشيطان ، العزم : التصميم والمضي على ترك الأكل ، وأن يتصلب في ذلك تصلبا يؤيس الشيطان من التسويل له ، والوجود : يجوز أن يكون بمعنى : العلم ، ومفعولاه :
له عزما ، وأن يكون نقيض العدم كأنه قال : وعدمنا له عزما .