أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون
قرئ : "ألم يروا " : بغير واو ، و "رتقا " : بفتح التاء ، وكلاهما في معنى المفعول ، كالخلق والنقض ، أي : كانتا مرتوقتين .
فإن قلت : الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر ، فما بال الرتق ؟
قلت : هو على تقرير موصوف ، أي : كانتا شيئا رتقا ، ومعنى ذلك : أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما . أو كانت السماوات متلاصقات ، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرج بينها ، وقيل : ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة ؛ وإنما قيل : كانتا دون كن ؛ لأن المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض ؛ ونحوه قولهم : لقاحان سوداوان ، أي : جماعتان ، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر .
فإن قلت : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟
قلت : فيه وجهان .
[ ص: 141 ] أحدهما : أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه ، فقام مقام المرئي المشاهد .
والثاني : أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل ، فلا بد للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه
"وجعلنا " : لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين ، فإن تعدى إلى واحد ، فالمعنى : خلقنا من الماء كل حيوان ؛ كقوله :
والله خلق كل دابة من ماء [النور : 45 ] ، أو كأنما خلقناه من الماء ؛ لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه ، كقوله تعالى :
خلق الإنسان من عجل [الأنبياء : 37 ] ، وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى : صيرنا كل شيء حي ؛ بسبب من الماء لا بد له منه ، و " من" هذا ؛ نحو : "من" في قوله -عليه السلام - :
"ما أنا من دد ولا الدد مني " ، وقرئ : "حيا " ، وهو المفعول الثاني ، والظرف لغو .