وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون
أي كراهة :
أن تميد بهم ، وتضطرب ، أو لئلا تميد بهم ، فحذف "لا " ، واللام ؛ وإنما جاز حذف : "لا " ؛ لعدم الالتباس ، كما تزاد لذلك في نحو قوله :
لئلا يعلم [ ص: 142 ] [الحديد : 29 ] ، وهذا مذهب الكوفيين الفج : الطريق الواسع .
فإن قلت : في الفجاج معنى : الوصف ، فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر ؛ كما في قوله تعالى :
لتسلكوا منها سبلا فجاجا [نوح : 20 ] .
قلت : لم تقدم وهي صفة ، ولكن جعلت حالا ؛ كقوله : [من الوافر ]
لعزة موحشا طلل قديم
فإن قلت : ما الفرق بينهما من جهة المعنى ؟
قلت : أحدهما : الإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة ، والثاني : بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة ، هو بيان لما أبهم ثمة ، محفوظا حفظه بالإمساك بقدرته من أن يقع على
[ ص: 143 ] الأرض ويتزلزل ، أو بالشهب عن تسمع الشياطين على سكانه من الملائكة ،
عن آياتها أي : عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات ، ومسايرها وطلوعها وغروبها ، على الحساب القويم والترتيب العجيب ، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة ، وأي جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها ، والاعتبار بها ، والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم ، ودبرها ونصبها هذه النصبة ، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه ، وقرئ : "عن آيتها " : على التوحيد : اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس ، أي : هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية ، كالاستضاءة بقمريها ، والاهتداء بكواكبها ، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها ، وهم عن كونها آية بينة على الخالق :
"معرضون " .