قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين
أجمعوا رأيهم -لما غلبوا بإهلاكه ؛ وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح ، لم يكن أحد أبغض إليه من المحق ، ولم يبق له مفزع إلا مناصبته ، كما فعلت
قريش برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عجزوا عن المعارضة ، والذي أشار بإحراقه
نمروذ ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر -رضي الله عنهما - : رجل من أعراب العجم ، يريد : الأكراد ، وروي أنهم حين هموا بإحراقه ، حبسوه ثم بنوا بيتا كالحظيرة بكوثي ، وجمعوا شهرا أصناف الخشب الصلاب ، حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول : إن عافاني الله لأجمعن حطبا
لإبراهيم -عليه السلام- ثم أشعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها ، ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا ، فرموا به فيها ، فناداها
جبريل -عليه السلام - :
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما ، ويحكى : ما أحرقت منه إلا وثاقه ، وقال له
جبريل -عليه السلام- حين رمي به : هل لك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، قال : فسل ربك ، قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنه - : إنما نجا بقوله : حسبي الله ونعم الوكيل ، وأطل عليه
نمروذ من الصرح ، فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة ، فقال : إني مقرب إلى إلهك ، فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن
إبراهيم ، وكان
إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- إذ ذاك ابن ست عشرة سنة ، واختاروا المعاقبة بالنار ؛ لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ؛ ولذلك جاء : "لا يعذب بالنار إلا خالقها " ؛ ومن ثم
[ ص: 155 ] قالوا
إن كنتم فاعلين أي : إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا ، فاختاروا له أهول المعاقبات ، وهي الإحراق بالنار ، وإلا فرطتم في نصرتها ؛ ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها ، ولم يألوا جهدا في ذلك ، جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله ، والمعنى : ذات برد وسلام ، فبولغ في ذلك ، كأن ذاتها برد وسلام ، والمراد : ابردي فيسلم منك
إبراهيم ، أو ابردي بردا غير ضار ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنه - : لو لم يقل ذلك ، لأهلكته ببردها .
فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار ؟
قلت : نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحر والإحراق ، وأبقاها على الإضاءة والاشتعال كما كانت ، والله على كل شيء قدير ، ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم
إبراهيم -عليه السلام- أذى حرها ويذيقه فيها عكس ذلك ، كما يفعل بخزنة جهنم ؛ ويدل عليه قوله :
على إبراهيم ، وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به ، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين غالبوه بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمبكت ، وفزعوا إلى القوة والجبروت ، فنصره وقواه .