يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب
فإن قلت : الذي جاء به ليس بمثل ، فكيف سماه مثلا ؟
قلت : قد سميت الصفة أو القصة الرائعة الملتقاة بالاستحسان والاستغراب : مثلا ؛ تشبيها لها ببعض الأمثال المسيرة ؛ لكونها مستحسنة مستغربة عندهم ، قرئ : "تدعون " : بالتاء والياء ، ويدعون : مبنيا للمفعول : "لن" أخت "لا" في نفي المستقبل ، إلا أن "لن"
[ ص: 212 ] تنفيه نفيا مؤكدا ، تأكيده ها هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم ، كأنه قال : محال أن يخلقوا .
فإن قلت : ما محل :
ولو اجتمعوا له ؟
قلت : النصب على الحال ، كأنه قال : مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه ، وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل
قريش واستركاك عقولهم ، والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه ؛ حيث وصفوا بالإلهية -التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها ، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها- صورا وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه وأذله وأصغره وأحقره ، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا ، وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم : أن هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا ، وقوله :
ضعف الطالب والمطلوب : كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ، ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف ؛ لأن الذباب حيوان ، وهو جماد ، وهو غالب وذاك مغلوب ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنهم كانوا يطلونها بالزعفران ، ورؤوسها بالعسل ، ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله .