حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "حتى " : يتعلق بيصفون ، أي : لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم ، مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم ، أو على قوله :
وإنهم لكاذبون : خطاب الله بلفظ الجمع للتعظيم ؛ كقوله [من الطويل ] :
فإن شئت حرمت النساء سواكم
وقوله [من الطويل ] :
ألا فارحموني يا إله محمد
إذا أيقن بالموت واطلع على حقيقة الأمر ، أدركته الحسرة على ما فرط فيه من الإيمان والعمل الصالح فيه ، فسأل ربه الرجعة ، وقال :
لعلي أعمل صالحا : في الإيمان الذي تركته ، والمعنى : لعلي آتي بما تركته من الإيمان ، وأعمل فيه صالحا ، كما تقول : لعلي أبني على أس ، تريد : أأسس أسا وأبني عليه ، وقيل : فيما تركت من المال ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - :
"إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله . وأما الكافر فيقول : رب ارجعون " ،
[ ص: 250 ] "كلا " : ردع عن طلب الرجعة ، وإنكار واستبعاد ، والمراد بالكلمة : الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض ؛ وهي قوله :
لعلي أعمل صالحا فيما تركت ،
هو قائلها : لا محالة ، لا يخليها ولا يسكت عنها ؛ لاستيلاء الحسرة عليه وتسلط الندم ، أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه ،
ومن ورائهم برزخ والضمير : للجماعة ، أي : أمامهم حائل بينهم وبين الرجعة إلى يوم البعث ، وليس المعنى : أنهم يرجعون يوم البعث ؛ وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة .